الكتابة وأشكالها في العصر العباسي

استكشاف فنون الكتابة في العصر العباسي: أنواع الكتابة، الخطابة، المناظرات، الرسائل الرسمية، والعهود والوصايا. تعرف على أبرز سمات النثر في تلك الحقبة الزاهرة من تاريخ الأدب العربي.

نظرة عامة على الكتابة في العصر العباسي

شهدت الكتابة في العصر العباسي تحولاً هاماً في تاريخ الأدب العربي، حيث برز تأثير الثقافة الفارسية بشكل واضح على السلطة والأدب. بالإضافة إلى ذلك، تفاعلت الثقافة العربية مع ثقافات أخرى مثل الهندية واليونانية، خاصةً من خلال حركة الترجمة النشطة. هذا التمازج الثقافي أثر بشكل كبير على الأدب العباسي، وخاصةً على فن الكتابة.

أصناف الكتابة في العصر العباسي

نتيجة لتعدد التأثيرات الثقافية في العصر العباسي، ظهرت أنواع متعددة من الكتابة، بما في ذلك:

  • الكتابة العلمية: استخدام الكتابة في تدوين العلوم الشرعية واللغوية وغيرها من المعارف.
  • الكتابة التاريخية: استخدام الكتابة في تسجيل الأحداث التاريخية والوقائع والأيام الهامة.
  • الكتابة الفلسفية: استخدام الكتابة في التعبير عن الأفكار الفلسفية والنظريات.
  • الكتابة الأدبية: تنوعت الفنون الأدبية في هذا العصر، وظهرت أشكال جديدة من التعبير الأدبي.

أشكال التعبير الكتابي في العصر العباسي

تعددت أشكال التعبير الكتابي في العصر العباسي، ومن أبرز هذه الفنون:

الخطابة والمواعظ

ازدهرت الخطابة في بداية العصر العباسي، وخاصةً الخطابة السياسية، حيث استخدمتها الفرق المختلفة لنشر آرائها وكسب المؤيدين. كان من أبرز الخطباء أبو العباس السفاح، مؤسس الدولة العباسية.

تبعه أبو جعفر المنصور، الذي كان يعتبر من أبلغ بني العباس. دارت بينه وبين محمد بن عبد الله، الملقب بالنفس الزكية، مراسلات وحروب. كان محمد بن عبد الله يتمتع بفصاحة لا تقل عن المنصور، ومن أقواله:

“أيها الناس: إنه قد كان من أمر هذا الطاغية أبي جعفر من بنائه القبة الخضراء، التي بناها معاندة لله في ملكه، وتصغيره الكعبة الحرام، وإنما أخذ الله فرعون حين قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}.[4]”

وتابع قائلاً: “وإن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين الأولين، والأنصار المواسين، اللهم إنهم قد أحلوا حرامك، وحرموا حلالك وعملوا بغير كتابك، وغيروا عهد نبيك صلى الله عليه وسلم، وأمنوا من أخفت، وأخافوا من أمنت، فأحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق على الأرض منهم أحدًا.”[4]

مع استقرار الخلافة لبني العباس، تراجعت أهمية الخطابة السياسية وخطابة المحافل. ومع ذلك، استمرت الخطابة الدينية في الازدهار خلال العصر العباسي الأول، حيث توجد خطب مشهورة لخلفاء مثل المهدي والرشيد. ولكن بعد الرشيد، بدأت الخطابة الدينية في التدهور، حيث أصبح الخلفاء يلقون خطبًا كتبها آخرون.

المناظرات

ازدهر فن المناظرات في هذا العصر، ويعتبر ذلك مظهرًا من مظاهر التجديد. يمكن اعتبار أدب المفاخرات الذي ظهر في العصر الجاهلي بمثابة الأصل الذي استندت إليه المناظرات.

يمكن القول إن شكل المناظرات الذي ظهر في العصر العباسي قد استلهم من الثقافة اليونانية. ازدهرت المناظرات في عهد الرشيد وأبنائه، وكانت تدور حول المسائل الفقهية والعقدية واللغوية. من الأمثلة الشهيرة على ذلك مناظرة سيبويه والكسائي التي جرت في عهد الرشيد.

الرسائل الديوانية

مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، ازدادت الحاجة إلى الدواوين لتنظيم شؤون الدولة. الدواوين مستمدة في الأصل من الثقافة الفارسية، ومع سيطرة العنصر الفارسي في هذا العصر، حظيت الدواوين باهتمام كبير، وتطورت شبكة الدواوين. أصبح هناك دواوين للخراج، ودواوين للنفقات، ودواوين للجيش، ودواوين للحروب، ودواوين للرسائل، ودواوين للخاتم، ودواوين لشرقي الدولة ودواوين لغربيها.

كان لكل ولاية ديوان خاص بها، وأصبح للدواوين كتاب يترقون في المناصب. أصبحت الكتابة نهجًا مخصصًا، وكانت من الوظائف المرموقة في الدولة. كان على الكاتب أن يتمتع بثقافة عالية وأسلوب كتابة مميز. برز من هؤلاء الكتاب ابن المقفع، وسهل بن هارون، وابن الزيات وغيرهم.

العهود والوصايا والتوقيعات

كانت العهود والوصايا تصدر من الخلفاء والولاة أو من كتابهم، وكانت تصدر عن الدواوين. التوقيعات هي رسائل موجزة تكون ردًا على رسائل موجهة للخلفاء والولاة. من أمثلتها توقيع أبو جعفر المنصور على رسالة من غلمانه يطلبون زيادة رواتبهم فأجابهم: “قليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطع”. وتوقيعه على رسالة وصلت من بعض المناطق تشكو ظلم الوالي فأجابهم: “وما كنت متخذ المضلين عضداً” وأمر بعزل الوالي.

ومن أمثلتها توقيع هارون الرشيد على رسالة من نقفور ملك الروم يطلب منه إعادة الجزية التي كانت تدفعها الملكة التي كانت قبله، وأمر بتسيير الجند إليه فهزمه وأجبره على دفع الجزية. ومن الأمثلة أيضًا توقيع أبي جعفر المنصور على رسالة من عامله في مصر يشكو نقص مياه النيل فأجابه: “طهر عسكرك من الفساد يعطيك النيل الانقياد”.[7]

وتوقيع المنصور على شكوى لأهل الكوفة من عاملهم «كما تكونون يؤمّر عليكم» وتوقيع المهدى لشاعر: «أسرفت في مديحك فقصّرنا في حبائك» وتوقيع الرشيد على رسالة لوالي خراسان: «داو جرحك لا يتسع» وتوقيع المأمون على قصة متظلم: «ليس بين الحق والباطل قرابة».[7]

Total
0
Shares
المقال السابق

الإنشاء الأدبي في الأندلس: سماته ورواده

المقال التالي

ألوان الكتابة النثرية في حقبة المماليك

مقالات مشابهة