فهرس المحتويات
ما هو الفهم الوجداني؟
الفهم الوجداني، أو ما يُعرف بالذكاء العاطفي، يمثل القدرة على إدراك، فهم، استخدام، وإدارة العواطف بشكل فعال. إنه يشمل الوعي بمشاعر الذات ومشاعر الآخرين، القدرة على التمييز بين المشاعر المختلفة وتسميتها بشكل مناسب، استخدام المعلومات العاطفية لتوجيه التفكير والسلوك، وإدارة العواطف للتكيف مع البيئة أو تحقيق الأهداف.
بعبارة أخرى، هو مهارة الفرد في التعامل مع مشاعره الشخصية، وتكييفها مع الظروف والمواقف المختلفة. كلما كان الشخص أكثر قدرة على التحكم في ردود أفعاله العاطفية، كلما ارتفعت درجة فهمه الوجداني.
الفهم الوجداني لا يقتصر فقط على معرفة المشاعر الذاتية، بل يتعدى ذلك ليشمل القدرة على التعرف على مشاعر الآخرين، فهمها، والتفاعل معها بطريقة مناسبة، خاصة في المواقف التي تتطلب مشاركة وجدانية، مثل التعاطف مع الحزن أو مشاركة الفرح.
الرحلة التاريخية للفهم الوجداني
على الرغم من أن مصطلح الفهم الوجداني لم ينتشر على نطاق واسع إلا في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن جذوره تعود إلى فترة أقدم بكثير. الاهتمام بهذا المفهوم بدأ في الظهور التدريجي منذ ثلاثينيات القرن العشرين.
يعتبر عالم النفس إدوارد ثورندايك من الرواد الأوائل الذين أشاروا إلى أهمية الذكاء الاجتماعي، واصفًا إياه بالقدرة على التفاعل الإيجابي والانسجام مع الآخرين. وفي الأربعينيات، أكد عالم النفس ديفيد ويشسلر على أن جوانب الذكاء المتعددة تلعب دورًا حيويًا في تحقيق النجاح في الحياة.
شهدت فترة الخمسينيات صعود علم النفس الإنساني، مع اهتمام متزايد بأفكار علماء مثل إبراهيم ماسلو، الذي ركز على الطرق التي يمكن للأفراد من خلالها بناء قوة عاطفية. وفي منتصف السبعينيات، قدم العالم هاورد جاردنر نظريته حول الذكاء المتعدد، مؤكدًا أن الذكاء يتجاوز القدرة العامة الواحدة.
يمكن القول أن هذه المراحل التاريخية المتتالية مهدت الطريق لظهور مفهوم الفهم الوجداني بشكله الحديث، وأسهمت في تسليط الضوء على أهمية العواطف في حياة الإنسان.
تحليل نماذج الفهم الوجداني
يرتبط الفهم الوجداني ارتباطًا وثيقًا بعدة نماذج فكرية تسعى إلى تفسير هذا المفهوم. يمكن تقسيم هذه النماذج إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- نموذج القدرة
- نموذج السمات
- النموذج المختلط
استعراض نموذج القدرة
يعرف نموذج القدرة (Ability Model) بأنه يعتمد على الكفاءات والمهارات في إدراك وتقييم وفهم المشاعر. ويركز هذا النموذج على أربع خطوات أساسية:
- التعرف على العواطف الشخصية.
- إدراك كيفية التعامل مع العواطف واستخدامها.
- فهم معاني العواطف وأسبابها.
- معرفة كيفية إدارة العواطف والتحكم بها بما يخدم الموقف.
يهتم هذا النموذج بدراسة القدرة على إدراك المشاعر المختلفة، وربطها بالتفكير بناءً على الموقف. أي القدرة على مواءمة العاطفة مع الحدث المناسب لها.
الأشخاص الذين يتميزون بفهم وجداني مرتفع وفقًا لهذا النموذج يتمتعون بقدرة كبيرة على تنظيم مشاعرهم، مما يساهم في تعزيز نموهم العاطفي بطريقة ذكية.
استعراض نموذج السمات
نموذج السمات (Trait Model)، الذي قدمه العالم دانييل جولمان، يختلف عن نموذج القدرة في أنه لا يركز على القدرات، بل يسلط الضوء على السمات الشخصية والاجتماعية والعاطفية المتأصلة في الفرد والتي يمكن تطويرها مع مرور الوقت.
يركز هذا النموذج على خمسة سمات أساسية يمكن من خلالها تحقيق الفهم الوجداني الأمثل:
- الوعي الذاتي: فهم الفرد لعواطفه، نقاط قوته وضعفه، وتأثيره على الآخرين.
- التنظيم الذاتي: التحكم في ردود الأفعال العاطفية وإدارتها بشكل صحيح، وتجنب الاندفاع أو العنف.
- الدافع: أن يكون الفرد مدفوعًا بأهداف وقيم داخلية، والحفاظ على نظرة إيجابية في الظروف الصعبة.
- التعاطف: فهم ومشاركة مشاعر الآخرين ووجهات نظرهم، وتعزيز الرحمة والتفاهم.
- المهارات الاجتماعية: البراعة في التواصل، حل النزاعات، وبناء علاقات إيجابية.
نظرة على النموذج المختلط
النموذج المختلط (Mixed Model) يجمع بين عناصر كل من نموذج القدرة ونموذج السمات، فهو يدمج بين المهارات العاطفية والاجتماعية الفردية لتحليل حالة عاطفية معينة. هذا النموذج يهتم بدراسة الجوانب التالية:
- الوعي العاطفي: القدرة على معرفة المشاعر الشخصية وربطها بالحالة النفسية أو العوامل المؤثرة فيها.
- التعاطف والوعي الاجتماعي: القدرة على فهم واستيعاب مشاعر الآخرين، والتعامل معهم بأسلوب يتناسب مع طبيعة عواطفهم.
- المرونة العاطفية: القدرة على التعافي من النكسات والتغلب على الصعاب مع الحفاظ على نظرة إيجابية.
- إدارة النفس: يشمل ذلك ضبط النفس العاطفي، القدرة على التكيف، والتوجه نحو الإنجاز.
- إدارة العلاقات مع الآخرين: يتضمن مهارات مثل التأثير على الغير، إدارة المشاكل، احتراف العمل الجماعي، والابتعاد عن العلاقات السلبية.