مقدمة
تعتبر الفنون المسرحية جزءاً هاماً من التراث الثقافي لأي أمة، وتتنوع أساليبها وتعبيراتها عبر التاريخ. يهدف هذا المقال إلى استعراض تاريخ المسرح خلال فترة الحكم العثماني، مع إلقاء الضوء على نشأته وتطوره، بالإضافة إلى تأثير التيارات الفنية الغربية عليه، وأبرز دور العرض التي احتضنت تلك الفنون.
بدايات ظهور فن المسرح في الحقبة العثمانية
على الرغم من صعوبة تحديد تاريخ دقيق لبداية المسرح في الدولة العثمانية، إلا أن المصادر التاريخية تشير إلى أن أولى إرهاصاته ظهرت خلال فترة الإصلاحات التي قام بها السلطان سليم الثالث في القرن الثامن عشر، وتحديداً في عام 1869. كما أن السلطان محمود الثاني كان من المعجبين بالفنون والآداب الغربية، مما جعله يقتبس من أشعارهم ونثرهم.
ومن الجدير بالذكر أن دور العرض المسرحية انتشرت في العديد من المدن التركية مثل: يلدز، وإسطنبول، ودولمة باغجة، وأزمير، وبوصا، وأضنة، وأنقرة.
تأثر المسرح العثماني بالثقافة الغربية
نظراً للعلاقات القوية التي ربطت الدولة العثمانية بالغرب في عهد السلطانين سليم الثالث ومحمود الثاني، أصبحت الدولة العثمانية وجهة مفضلة للإقامة بالنسبة للعديد من الغربيين. وقد أدى هذا الانفتاح إلى تنوع الفنون الغربية خلال الفترة الأخيرة من حكم السلطان سليم الثالث، مما انعكس إيجاباً على ازدهار الفن المسرحي. وتمت ترجمة العديد من المسرحيات الغربية، وكان للمسرحيات الفرنسية النصيب الأكبر من بينها. كما أن وسائل الإعلام الغربية لعبت دوراً هاماً في الترويج لهذه المسرحيات وجعلها محبوبة لدى الجمهور العثماني.
أشهر المسارح في العهد العثماني
بعد النجاح الكبير الذي حققه مسرح غريستينيان، تشجعت الدولة العثمانية على إنشاء مسارح فخمة أخرى. ومن بين هذه المسارح:
مسرح بوسكو
تأسس هذا المسرح عام 1840، بناءً على عرض قدمه الإيطالي إليزيونيست بوسكو إلى السلطان عبد المجيد الأول. وقد حظي هذا العرض بإعجاب واستحسان السلطان، مما دفعه إلى دعمه بشكل كبير. كان جمهور هذا المسرح يتكون بشكل أساسي من الفرنسيين ومن يجيدون اللغة الفرنسية، حيث كانت المسرحيات تعرض باللغة الفرنسية فقط. وقد أثار هذا الأمر اعتراض المواطنين الأتراك، مما استدعى ضرورة ترجمة سيناريوهات المسرحيات إلى اللغة التركية.
مسرح ناوم
تم إنشاء هذا المسرح بطلب من مواطن تركي يدعى (ميكائيل ناوم). وقد بدأ العمل على إنشائه عام 1844، إلا أن عملية البناء توقفت بعد أن قام “ناوم” بشراء مسرح خاص للمواطنين الأتراك، حيث كان يقدم مسرحيات باللغة التركية.
مسرح غيديك باشا
أنشأ هذا المسرح المواطن العثماني التركي رضا عام 1860، وذلك بعد أن أصبح مسرح ناوم يبيع العروض المسرحية بأسعار باهظة، مما أثار غضب المواطنين الأتراك. ولهذا السبب، قرر المواطن العثماني المقتدر رضا أن يقدم مسرحاً بأسعار مناسبة للمواطنين الأتراك.
مسرح قصر دولما بهتشه
بناءً على رغبة السلطان عبد المجيد الأول في وجود مسرح داخل القصر، تم إنشاء هذا المسرح عام 1864. إلا أنه تحول في نفس العام إلى سكن بعد اندلاع حريق فيه.
مسرح خيال الظل التركي
يرجع الفضل في وجود هذا النوع المسرحي في المسرح العثماني إلى ممثل ظل مملوكي، وذلك مثل حادثة وصول السلطان (سليم الأول) إلى مصر في القرن 19، حيث قام بقتال وهزيمة آخرحكام الدولة المملوكيةوهو (طومان باي)، فنال هذا العرض استحسان السلطان العثمانيّ سليم الأول، مما أدى إلى انتشار هذا الفن في الإمبراطورية العثمانية.[٣]