مقدمة
يشكل الفن الفيكتوري حقبة مهمة في تاريخ الفن البريطاني، شهدت تحولات كبيرة وتأثرت بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي سادت في عهد الملكة فيكتوريا. يتميز هذا الفن بتنوعه وثرائه، ويعكس التغيرات التي طرأت على المجتمع البريطاني في تلك الفترة.
تطور الفن الفيكتوري
شهدت الممارسات الفنية في المملكة المتحدة، وتحديدًا خلال الحقبة الفيكتورية، سلسلة من التطورات الملحوظة. يمكن تلخيص أبرز هذه التحولات على النحو التالي: في البداية، كانت الأعمال الفنية في بريطانيا تقتصر على تصوير الأحداث العسكرية والتاريخية، بالإضافة إلى صور النبلاء، وذلك بتأثير من آراء جوشوا رينولدز، أول رئيس للأكاديمية الملكية للفنون، الذي كان يرى أن الفنان هو الذي يضفي المثالية على عمله.
مع اعتلاء الملكة فيكتوريا العرش، تبدلت هذه النظرة بشكل ملحوظ. أدى ظهور الطبقة الوسطى الغنية في المجتمع البريطاني، جنبًا إلى جنب مع النمو الاقتصادي، إلى تغيير في المفاهيم الفنية، بالإضافة إلى ظهور الفن التجريدي.
مثلت لوحات الفنان (JMW Turner)، التي اشتهرت بمناظرها الطبيعية المرسومة بالألوان المائية، تحولًا في شكل اللوحات الفنية. كان تيرنر يعتقد أن مشاعر الفنان وأحاسيسه أكثر قيمة من أي شكل جمالي آخر. ثم اتجهت أعماله لاحقًا إلى رسم الأزياء.
تبنى الجيل الذي نشأ في ظل التطور الصناعي فكرة الاهتمام بالتفاصيل، حيث اعتقدوا أن الفن يجب أن يعكس واقع العالم بدلًا من تصويره بشكل مثالي. كانت هذه الأفكار سببًا للاعتراض على مبادئ الأكاديمية الملكية للفنون.
ظهرت أساليب جديدة للرسم نتيجة لقدوم فنانين فرنسيين إلى لندن وإقامتهم فيها. كما ساهمت الظروف المعيشية الصعبة في ظهور فنانين سعوا إلى تصوير الواقع في لوحاتهم بعيدًا عن أي تجميل، وانتشرت فلسفة الواقعية والعاطفة التي أثرت في مسار تطور الفن واللوحات. نرى العديد من الأعمال الفنية التي سلطت الضوء على المشكلات الاجتماعية السائدة في ذلك الوقت، مما ساهم في نشر الوعي حول هذه القضايا بين أفراد المجتمع، ومحاولة إيجاد حلول مناسبة لها.
في المقابل، رأى فنانون آخرون أن هذه الفلسفة أدت إلى تدهور جودة الأعمال الفنية، فظهر رسامون وكتاب اهتموا بالقيمة الجمالية للوحة، وانفصلوا عن الواقع وركزوا على الجمال، وتتميز لوحاتهم بوجوه خالية من أي تعابير عاطفية.
في تلك الحقبة، كان الفن حكرًا على الرجال، إلى أن اعترضت مجموعة من النساء وطالبت بإنشاء قسم خاص بهن في الأكاديمية الملكية للفنون عام 1859.
الخصائص المميزة للفن الفيكتوري
يتميز الفن الفيكتوري بألوانه الزاهية، واهتمامه بمواضيع متنوعة مثل الأناقة والجمال. كما يتضح تأثره بالتطورات الكبيرة التي شهدها العصر الفيكتوري، مثل النمو الاقتصادي والتوسع العمراني، بالإضافة إلى تطور التصوير الفوتوغرافي، وجمال الطبيعة والمناطق الشعبية في المملكة المتحدة.
أشهر اللوحات الفنية في الحقبة الفيكتورية
يشتهر العصر الفيكتوري بإنتاج عدد كبير من اللوحات الفنية، تحمل كل منها قصة فريدة. من بين أبرز هذه اللوحات:
- لوحة أوفيليا: رسمها الفنان جون إيفريت ميليه عام 1852، وتصور مشهدًا من مسرحية هاملت لشكسبير، يظهر سقوط أوفيليا في الماء وغرقها.
- كبش الفداء: رسمت عام 1856 بواسطة وليام هولمان هانت، وتجسد الماعز المذكور في سفر اللاويين في يوم الكفارة.
- إيلين: رسمتها الفنانة إيما سانديز عام 1865، وتمثل الشخصية الأنثوية في الأساطير، وهي شخصية من الحكايات الشعبية المنتشرة.
- حواء منتصف الصيف: رسمت عام 1908 بواسطة إدوارد روبرت هيوز، وتعتبر تجسيدًا رائعًا لمسرحية حلم ليلة في منتصف الصيف لشكسبير، التي تدور حول عدم التقاء العشاق في فصل الصيف.
فنانون بارزون في العصر الفيكتوري
من بين أبرز الفنانين الذين اشتهروا في العصر الفيكتوري:
- جوزيف مالورد ويليام تيرنر: ابتعد عن تصوير انتصارات الحروب، وركز على الجانب الآخر من المعركة، مسلطًا الضوء على القتلى والحزن الذي تخلفه الحروب.
- ويليام بليك: صاحب اللوحة الشهيرة “شبح البرغوث”، التي تصور تعطش الإنسان للدماء، مما أدى إلى حبس روحه داخل برغوث.
- إيميلي ماري أوزبورن: رسمت لوحة بعنوان “بدون اسم ولا أصدقاء”، تجسد نضال امرأة تبحث عن عمل.
- جيمس أبوت ماكنيل ويسلر: كان من أنصار نظرية “الفن للفن”، ورسم سلسلة من اللوحات التي تعكس الموسيقى الهادئة في الليالي المقمرة.
