الفكر الاجتماعي والثقافة: نظرة تحليلية

استكشاف مفهوم الثقافة في علم الاجتماع، وأنماطها المتنوعة، وخصائصها المميزة. فهم شامل للثقافة وأهميتها في تشكيل المجتمعات.

المفهوم الشامل للتراث الإنساني

كثيراً ما نسمع كلمة “الثقافة” في المحافل الأدبية والفنية والعلمية. وغالباً ما تُفهم على أنها الإبداعات الفنية أو الذهنية الراقية التي ينتجها الإنسان. هذا الفهم الشائع اختزل الثقافة في نطاق ضيق جداً، وحصرها في الإنتاج الفني والأدبي فقط. والحقيقة أن المصطلح أوسع من ذلك بكثير، وله تعريفات عديدة في مختلف العلوم الإنسانية.

إن الثقافة تتجاوز مجرد الفنون والآداب لتمثل نمط الحياة الكامل لمجموعة من الناس. إنها تشمل معتقداتهم، وقيمهم، وتقاليدهم، ولغتهم، وفنونهم، وآدابهم، وحتى أدواتهم وأساليب معيشتهم. إنها كل ما يميز مجتمعاً عن آخر، وكل ما ينتقل من جيل إلى جيل.

التأملات الاجتماعية في جوهر الثقافة

اهتم علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا بتحديد تعريف دقيق للثقافة. ومن بين أشهر هذه التعريفات وأكثرها شمولية، التعريف الذي يرى أن الثقافة هي “المركب الكلي الذي يشمل المعرفة، والعقائد، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وأية قدرات أو عادات أخرى يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع”.

وبناءً على هذا التعريف، يمكن القول إن ثقافة أي مجتمع هي كل ما يتعلق بأسلوب حياته الاجتماعي والفكري والمادي. فهي ليست مجرد إنتاج فني أو أدبي مرتبط بفئة معينة من المجتمع، بل هي نسيج متكامل يربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض ويحدد هويتهم.

الثقافة هي نظام من المعاني والقيم التي يشترك فيها أفراد المجتمع، وتوجه سلوكهم وتفكيرهم. إنها ليست مجرد مجموعة من العادات والتقاليد، بل هي إطار مرجعي يفسرون من خلاله العالم من حولهم ويتفاعلون معه.

الأشكال المتنوعة للتعبير الثقافي

لفهم الثقافة في علم الاجتماع، يجب التمييز بين أربعة أنماط ثقافية رئيسية يمكن ملاحظتها في المجتمع الواحد:

  • الثقافة المادية: وتشمل كل ما ينتجه الإنسان وله استخدام مباشر، مثل الملابس والأدوات والتكنولوجيا والمباني.
  • الثقافة اللامادية: وتشمل العادات والتقاليد والأفكار الشعبية والأساطير والدين واللغة.
  • الثقافة السائدة: وهي الثقافة التي تميز المجتمع ككل، أو أكثر من مجتمع متجاور تجمعه روابط قومية أو عرقية أو لغوية.
  • الثقافة الفرعية: وهي الثقافة التي تميز جماعة معينة داخل المجتمع، مثل ثقافة الشباب أو ثقافة الطبقات العاملة.

إن التمييز بين هذه الأنماط الثقافية المختلفة يساعد على فهم طبيعة الثقافة في كل مجتمع على حدة، وكيف تتفاعل هذه الأنماط مع بعضها البعض لتشكيل الهوية الثقافية للمجتمع.

المميزات الجوهرية للفكر الثقافي في المجتمع

تتميز الثقافة في علم الاجتماع بعدة خصائص رئيسية:

  • الاستقلالية: الثقافة مستقلة عن الأفراد الذين يحملونها. حتى لو فني الأفراد الذين يحملون ثقافة معينة، فإن هذه الثقافة لا تختفي بالضرورة، وذلك بسبب وجود الآثار الثقافية المادية التي تراكمت عبر سنوات من النشاط البشري.
  • الاستمرارية: الثقافة مستمرة عبر الزمن. تنتقل من جيل إلى جيل، وتتطور وتتغير باستمرار، ولكنها تحافظ على جوهرها الأساسي.
  • التكامل: الثقافة تمثل مجموعة متكاملة من العناصر. لا يمكن فهم عنصر واحد من عناصر الثقافة بمعزل عن العناصر الأخرى.
  • الاختيارية: الثقافة انتقائية. كل جيل يختار من بين العناصر الثقافية الموروثة ما يتناسب مع قيمه واحتياجاته، وينبذ ما يعتبره متخلفاً أو غير ملائم.

و خير مثال على ذلك نبذ جميع المجتمعات لثقافة العبودية والرق.

قال الله تعالى في سورة النحل، الآية 125: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”

وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ”.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الحضارة في الجزائر: نظرة شاملة

المقال التالي

الرابط بين الحضارة ووسائل الاتصال

مقالات مشابهة