الغاية من كون الرسل والأنبياء من البشر

استكشاف الأسباب الكامنة وراء اختيار الله للأنبياء والرسل من بين البشر. يتناول المقال جوانب الألفة، والقدرة على التوجيه، والاقتداء، وأهمية المعجزة، وتمييز المؤمنين، وتحديات التواصل مع الملائكة.

الحكمة الإلهية في بشرية الأنبياء

تتجلى حكمة الله سبحانه وتعالى في كل تفصيلة من تفاصيل خلقه، حيث تتناغم كل الأمور وفق نظام دقيق ومحكم. ومن مظاهر هذه الحكمة، اختيار الرسل والأنبياء من جنس البشر، وذلك لعدة أسباب جوهرية تخدم رسالة الإسلام الخالدة.

فقد اقتضت إرادة الله أن يكون الأنبياء والرسل بشرًا يشاركون الناس حياتهم وتحدياتهم، ليكونوا بذلك مثالًا حيًا وقدوة عملية يمكن الاقتداء بها. هذه البشرية تتيح لهم فهم احتياجات الناس وتطلعاتهم، وتسهل عليهم مهمة تبليغ الرسالة وإقامة الحجة.

تحقيق الألفة والمودة

عندما يكون الداعية إلى الله من جنس المدعوين، أي بشرًا مثلهم، يصبح التواصل أكثر سلاسة وفاعلية. فالنفوس تميل إلى من يشبهها، وتجد فيهم الألفة والتقارب. وهذا يسهل عملية تقبل الموعظة والتأثر بها، ويشجع على الاستقامة والالتزام بتعاليم الدين.

فالبشر يستطيعون بسهولة فهم مشاعر بعضهم البعض، والتعبير عن احتياجاتهم وتطلعاتهم، وهذا ما يجعل الرسول البشري قادرًا على بناء علاقة قوية ومتينة مع أتباعه.

تسهيل التوجيه والريادة

إن كون الأنبياء والرسل بشرًا يجعلهم أكثر قدرة على قيادة البشر وتوجيههم. فهم يدركون طبيعة النفس البشرية وتقلباتها، ويعرفون كيف يتعاملون مع نقاط الضعف والقوة لدى الإنسان. كما أنهم مكلفون بالعبادة والطاعة مثلهم، مما يسهل عليهم حث الناس على فعل الخيرات والابتعاد عن المنكرات.

فالرسول البشري يشارك الناس همومهم وآمالهم، ويوجههم نحو الطريق الصحيح من خلال تجربته الشخصية وقناعته الراسخة.

الأنبياء كقدوة حسنة

يقتضي كمال الدين أن يكون هناك نماذج حية يمكن للناس أن يقتدوا بها. فالرسول البشري هو القدوة الحسنة التي تجسد تعاليم الإسلام في سلوكه وأخلاقه وتعامله مع الآخرين. وقد اختار الله رسلًا قادرين على تحمل أعباء الرسالة، ومتصفين بأخلاق الإسلام الرفيعة، ليكونوا مثالًا يحتذى به في كل زمان ومكان.

وقد بين الله أهمية الأسوة الحسنة في كتابه الكريم، حيث قال:

(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21]

تأثير المعجزة وأهميتها

تكون المعجزة أبلغ أثرًا وأعمق وقعًا في النفوس عندما تأتي على يد بشر. فلو كان الرسل من الملائكة، لما كان للمعجزة نفس التأثير، لأن الملائكة مخلوقات نورانية ذات قدرات خارقة. أما عندما يأتي بالمعجزة بشر، فإن ذلك يدل على عظمة قدرة الله وقدرته على تغيير قوانين الطبيعة.

فإرسال الرسل من البشر يزيد من قوة الإيمان في القلوب، ويجعل التصديق بالرسالة أكثر رسوخًا.

تمييز المؤمنين الصادقين

تجلت حكمة الله في اختيار الرسل من البشر لاختبار إيمان الناس وتمييز الصادقين منهم عن غيرهم. فلو أرسل الله ملكًا رسولًا، لاتبعه الناس لعظمة خلقه وقوته، وربما اتخذه البعض إلهًا يعبده. ولكن عندما يكون الرسول بشرًا، فإن ذلك يدعو إلى التفكير والتأمل والتدبر في الرسالة التي يحملها، ويختبر صدق إيمان العباد.

تحديات التواصل مع الملائكة

البشر مخلوقون من طين، والملائكة مخلوقون من نور، وهناك اختلاف جوهري بين طبيعة الخلقين. فالبشر لا يستطيعون التعامل بسهولة مع مخلوقات ليست من أصل خلقتهم، وقد يجدون صعوبة في فهم طبيعتهم ومشاعرهم. ولو أنزل الله ملائكة، لما استطاعوا فهم طبيعة النفس البشرية وما يعتريها من مشاعر.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر، حيث قال:

(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) [الأنعام: 9]

ولو شاء الله إرسال الملائكة، لأرسلهم على هيئة رجال، وفي هذه الحالة من الالتباس ما لا يستطيع الملك أن يكون على حقيقته، فلا يحقق الغرض المطلوب من البعثة، وقد قال تعالى:

(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً) [الإسراء: 94-95]

طبيعة الأنبياء والرسل البشرية

إنّ أحوال الناس لا تستقيم إلا بتعيين قادة من جنسهم، يقتبسون نورهم من نور الإسلام، ليحكموا بما أمر الله ويقتدي بهم الناس. فاقتضت حكمة الله أن يولي على رأس الشرائع أنبياء ورسل يقودون الناس للحق؛ ليستظلو بهدى الإسلام، واختار للنبوة رجالاً يحملون أبهى صفات الحسن تسمو روح الإسلام بهم.

فالأنبياء والرسل بشر يأكلون الطعام ويمارسون حياتهم الطبيعية، ولكنهم يتميزون عن غيرهم بالوحي والاصطفاء والقدرة على تحمل أعباء الرسالة. وقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة، حيث قال:

(وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) [الأنبياء: 8]

المراجع

  • شرح كتاب التوحيد لإبن خزيمة.
  • الرسل والرسالات، عمر سليمان الأشقر.
  • الحاجة إلى الرسل.
  • العقيدة السلفية فى كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية، عبد الله الجديع.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الأبعاد العميقة لفضل الوالدين وأهمية الإحسان إليهما

المقال التالي

الأسرار الكامنة وراء تشييد الكعبة المشرفة

مقالات مشابهة

عِبر ومواعظ من الهجرة النبوية

عِبر ومواعظ من الهجرة النبوية الشريفة. الابتعاد عن الذنوب والمعاصي. الاعتماد على الله عز وجل وحده. العمل بالأسباب المشروعة. التحلي بالصبر عند المصائب. أهمية الرفقة الصالحة. المصادر
إقرأ المزيد

دراسة حول سورة النبأ: أسباب النزول وتفسير المعاني

استكشاف أسباب نزول سورة النبأ وتفسيرها. يشمل المقال تفصيلاً للتساؤلات حول النبأ العظيم، واستعراضًا لمظاهر قدرة الله، ووصفًا لأحداث يوم القيامة، وبيانًا لعقوبة الكافرين وجزاء المؤمنين في الآخرة.
إقرأ المزيد