مقدمة
يعتبر العصر العباسي الأول مرحلة محورية في تاريخ الحضارة الإسلامية، حيث شهد تطورات هائلة في مختلف المجالات. سنتناول في هذا المقال أبرز جوانب هذه الفترة، بدءًا من تحديد الإطار الزمني وصولًا إلى استعراض الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية.
الإطار الزمني
تبدأ حقبة العصر العباسي الأول في عام 750 م وتنتهي في عام 847 م، الموافق لـ 132 هـ – 232 هـ. يعتبر هذا العصر بحق العصر الذهبي للدولة الإسلامية، إذ ازدهرت العلوم والفنون والآداب بشكل غير مسبوق. شهدت هذه الفترة نموًا وازدهارًا كبيرًا في مختلف المجالات.
الأوضاع السياسية
تأثرت الأنظمة العباسية بشكل كبير بالأنظمة الساسانية، حيث سعى العباسيون إلى ترسيخ فكرة الحق الإلهي في السلطة والحكم. اتبعوا سياسة عدم الاحتكاك المباشر بالشعب، معتمدين على الحجاب ورؤساء التشريفات كوسيلة للتواصل. هذا النهج اختلف بشكل كبير عن عصر بني أمية، الذي تميز باتصال مباشر وسهل بين الحاكم والشعب.
غلب الأعاجم على وظائف الحجابة في العصر العباسي، مما ساهم في جعل الحكم العباسي أكثر استبدادية وإهمالًا لشؤون الرعية. من بين الأنظمة الساسانية التي اعتمدها الخلفاء العباسيون نظام الدواوين، حيث كان لكل ولاية ديوان للخراج يرأسه موظف كبير ينفق منه على الولاية ويرسل الباقي إلى بغداد، حيث كان لكل ولاية ديوان خاص بها.
كما اتبعوا نظام الوزارة، وهي مهنة بارزة في الدولة الساسانية، حيث كان الوزير مسؤولًا عن تصريف أمور الدولة وتعيين الموظفين. كان معظم الوزراء من الفرس، الذين سعوا دائمًا إلى تولي المناصب الهامة في الدولة. أول وزير اتخذه العباسيون منهم هو أبو سلمة الخلال.
الازدهار الفكري
يعود ازدهار الحركة العلمية والأدبية في العصر العباسي إلى التواصل المثمر بين الثقافات المختلفة. ازدهرت حركة الترجمة في عهد الرشيد والبرامكة، ويعزى ذلك إلى إنشاء بيت الحكمة أو خزانة الحكمة، بالإضافة إلى توظيف عدد كبير من المترجمين واستيراد الكتب من بلاد الروم. كان يوحنا بن ماسويه، الطبيب النسطوري من مدرسة جنديسابور، مسؤولًا عن هذا العمل العظيم.
لعب البرامكة دورًا هامًا في تشجيع حركة الترجمة، حيث عملوا على نقل المعارف القيمة من اللغات الرومية واليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية.
تعاقبت ثلاثة أجيال من علماء البصرة والكوفة في العصر العباسي، واهتموا بجمع اللغة والشعر. من الجيل الأول نذكر أبا عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة الذين أخذت عنهم قراءات القرآن الكريم. يصفه الجاحظ بأنه كان أعلم الناس بالغريب واللغة العربية وبالقرآن والشعر وبأيام العرب وأيام الناس.
من أفراد الجيل الثاني خلف الأحمر والأصمعي الذي رويت عنه دواوين كثيرة. أما من الجيل الثالث، فيبرز محمد بن سلام الجمحي، صاحب الكتاب الشهير (طبقات فحول الشعراء الجاهليين والإسلاميين)، الذي يمثل عمل المدرسة البصرية في توثيق الشعر القديم وتصنيف الشعراء في طبقات وفصائل بناء على جودتهم الفنية.
المصادر والمراجع
- نوار العتوم (14/9/2020)،”تقسيم تاريخ دولة الخلافة العباسية”،العربي، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022. بتصرّف.
- أبأنيس الأبيض (2000)،”الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الأول”،سعورس، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
- أنيس الأبيض (2000)،”الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الأول”،سعورس، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
- أنيس الأبيض (2000)،”الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الأول”،سعورس، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2022. بتصرّف.
- شوقي ضيف،العصر العباسي الأول، صفحة 20-23. بتصرّف.
- شوقي ضيف،العصر العباسي الأول، صفحة 23. بتصرّف.
- شوقي ضيف،العصر العباسي الأول، صفحة 120. بتصرّف.
- شوقي ضيف،العصر العباسي الأول، صفحة 112. بتصرّف.
التركيبة المجتمعية
تميز المجتمع العباسي بتنوعه العرقي والديني، حيث تعايش العرب والفرس وأهل الكتاب (المسيحيون واليهود) في تسامح ووئام. كان لأهل الكتاب دور بارز في المجتمع، وتوجد إشارات إلى الأديرة والكنائس المنتشرة في بغداد، مثل دير العذارى ودير درمايس الذي وصفه الشابشتي في كتابه “الديارات” بأنه مكان للنزهة والاستجمام. كما أشار أحد رهبان دير الروم على أبي جعفر المنصور ببناء بغداد في ذلك الموضع.
لقد حظي أفراد المجتمع بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، مما يعكس تسامح الخلفاء العباسيين وإيمانهم بحرية العقيدة. بالإضافة إلى ذلك، كان لمجالس الغناء والطرب حضور قوي، حيث اعتمدوا النظام الفارسي في تنظيم هذه المجالس. وقد وصف الجاحظ في كتابه (التاج في أخلاق الملوك) هذه المجالس في عهد “أردشير بن بابك”، مشيرًا إلى أنه كان أول من رتب الندماء وقسمهم إلى ثلاث طبقات.
أولى العباسيون اهتمامًا كبيرًا بتنوع الأطعمة، ويتجلى ذلك في مائدة الرشيد التي كانت تزخر بألوان الطعام المختلفة. ذكرت الروايات أن طهاة الرشيد كانوا يعدون ثلاثين صنفًا من الطعام يوميًا. لم يقتصر هذا الإسراف على الخلفاء وحدهم، بل امتد ليشمل الأمراء وكبار رجال الدولة. يقال أن الرشيد كان ينفق على طعامه عشرة آلاف درهم يوميًا، بينما كان المأمون ينفق ستة آلاف دينار يوميًا، وينفق جزءًا كبيرًا منها على المطابخ.