فهرس المحتويات:
مقدمة حول أهمية العفة
إن العفة جوهر ثمين يزين النفوس وينيرها بنور الإيمان، ويسري في كيان المؤمنين كجريان الدم، يضخ النقاء في القلوب، فتطمئن النفوس في رياض الفضيلة. العفة جمال الكمال، وبها ترتقي الأخلاق إلى أعلى المستويات، وتتميز طهارة العباد. هي طريق موصل إلى الإيمان، كما قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-:(والحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ).
وكلما ازدادت العفة، ازداد الإيمان رسوخاً. وقد فضل الله المرأة بزيادة في العفة عن الرجل؛ لجمالها الذي قد يثير الفتنة، فاقتضت حكمته أن يكسوها رداء العفة في قلبها منذ النشأة تكريماً لها. وسنتناول بعض الآيات القرآنية التي تبرز عفة المرأة فيما يلي:
السيدة مريم العذراء: مثال الطهارة
كانت السيدة مريم ابنة عمران مثالاً يحتذى به في العفة والحياء. فعندما بشرها جبريل -عليه السلام- بأنها ستنجب ولداً، استغربت واستبعدت ذلك، فأخبرها بقدرة الله -تعالى- على منحها الولد، كما جاء في قوله -تعالى-:(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا).
ومن فرط حيائها، ابتعدت عن قومها حتى وضعت حملها. وتكلم سيدنا عيسى -عليه السلام- في المهد بمعجزة من الله -تعالى-؛ دفاعاً عن أمه ضد أقاويل الناس. نشأت مريم ابنة عمران في بيئة صالحة، وكانت تتمتع بأخلاق رفيعة وعفة عظيمة، كما قال -تعالى-:(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).
بنات النبي شعيب عليه السلام: رمز الأدب
لقد سلط القرآن الكريم الضوء على خصلة العفة في ابنتي رجل صالح، وجعلهما نموذجاً يحتذى به في كل زمان ومكان؛ دلالة على عظمة فعلهما ودعوة للاقتداء بهما، حيث قال -تعالى-:(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).
وكأن الأرض تستحي وهي تمشي عليها. ويا لجمال التعبير القرآني إذ قال “على استحياء” ولم يقل “على حياء”، فمن شدة العفة، أصبحت صفة ملازمة لها تشهد بها الأرض التي وطأتها قدماها، فتتفتح أزهار العفة في قلوب الفتيات، فتستكين نفوسهن ويقتدين بها وكأنه دواء للأخلاق يقوّم أي اعوجاج.
وقد أورد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تفسيراً لهذه الآية فقال: “جاءتْ تمشي على استحياءٍ قائلةً بثَوبِها على وجهِها ليسَتْ بسَلْفَعٍ خرَّاجةٌ ولَّاجةٌ”. والمرأة العفيفة تظهر العفة في مشيتها، وتتزين بحسن الخلق في خروجها، وترتدي ملابس ساترة، وعطرها هو العفاف. تستحي من الرجال، ولا تتجاوز الحدود في حديثها معهم، بل تتحدث بوضوح وبقدر الحاجة. الوجه المصون بالعفة كالجوهر المكنون، ولا تتزين المرأة بزينة أجمل ولا أثمن من العفة.
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم: أسوة حسنة
العفة سياج يحمي سلوك المرأة من الفحش، ويرفعها عن صغائر الأمور. وإذا تم اختراق هذا السياج؛ تختل المقاييس، ويقل الاحترام الذاتي، وقد يصدر عن الفتاة المسلمة ما لا يليق بشخصيتها. ونساء النبي الكريم هن قدوة في الأخلاق الفاضلة، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-:(كنتُ أدخُلُ بَيتي الذي دُفِنَ فيه رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأَبي، فأضَعُ ثَوْبي، وأقولُ: إنَّما هو زَوْجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عُمَرُ معهم، فواللهِ ما دخَلتُهُ إلَّا وأنا مَشدودةٌ علَيَّ ثيابي؛ حَياءً مِن عُمَرَ).
لقد ربط الله بين كثرة العفة وقوة الإيمان، فقد قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-:(أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أَحْسَنُهم خلقًا)، فالعفة تزداد بزيادة الإيمان، وتقل بفعل المعاصي، كما قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-:(إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ).
تعريف العفة
العفة في اللغة: التوبة والحشمة والتغير الذي يصيب الإنسان بسبب الخوف من فعل ما يعاب به. أما العفة في الشرع: فهي خصلة تدفع إلى ترك الأمور القبيحة وتمنع من التقصير في حق صاحب الحق.
خلاصة
العفة والاحتشام فضائل سامية حث عليها الإسلام ورسخها في نفوس المؤمنين، وهما سمتان بارزتان في شخصية المرأة المسلمة، تجعلها محط احترام وتقدير في كل زمان ومكان.