المعنى اللغوي والشرعي للعطاء
يُعرّف العطاء في اللغة بأنه كل ما يُعطى للمحتاج أو غيره من مال أو منفعة. أما في الاصطلاح الشرعي، فهو بذل المال أو الجهد للآخرين تقربًا إلى الله تعالى ورجاء ثوابه. وقد ورد لفظ المتصدق في كتاب الله في قوله -تعالى-:(وَتَصَدَّق عَلَينا إِنَّ اللَّـهَ يَجزِي المُتَصَدِّقينَ).
إن العطاء في سبيل الله من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو دليل على صدق الإيمان وسلامة القلب، وهو من أهم أسباب نيل محبة الله ورضوانه.
الأجر العظيم للعطاء وفوائده
للعطاء في سبيل الله فضائل جمة وفوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع بالخير والسعادة. فهو سبب لتزكية النفس وتطهيرها من الشح والبخل، ويؤدي إلى تماسك المجتمع وتقوية الروابط بين أفراده، ويساهم في سد حاجة المحتاجين وتخفيف معاناتهم. كما أنه سبب للبركة في المال وزيادته، والوقاية من المصائب والآفات.
من الفضائل العظيمة للعطاء التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية:
- وصف الله -تعالى- للمُنفقين بالمُتّقين، وذلك لشدّة صدقهم وإيمانهم بالله -تعالى-، إذ قال -سبحانه- عنهم :(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).
- المنفقين في سبيل الله كالجنة الطيّبة العالية، فقد صوّرهم الله -تعالى- في القرآن فقال:(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
- مضاعفة المال وحصول البركة والزيادة والنماء فيه، قال -تعالى-:(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
- الإنفاق في سبيل الله سببٌ للنّجاة يوم القيامة، قال -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
- الصدقة سببٌ لتكفير الذنوب والآثام ومغفرتها، قال -تعالى-:(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
- الصدقة سببٌ في حصول البِرّ والصّلاح، قال -تعالى-:(لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).
- وَعْد الله -تعالى- المُنفقين بالأجر العظيم والثواب الكبير، وهو الفوزبالجنة، قال -تعالى-:(وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- وَعْد الله -تعالى- بتعويض المنفقين وحفظ حقّهم في الدنيا والآخرة في قوله -تعالى-:(وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمونَ)، وقوله -تعالى-:(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
- صدقة السر أو العلانية تجارةٌ رابحةٌ مع الله -تعالى-، ولا خسارة فيها، وقد بيّن -سبحانه- ذلك في قوله:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
- الصدقة تكفل لصاحبها عدم الندم والتأسّف على ما فاته في حياته الدنيا عند وفاته، قال الله -تعالى-:(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).
- الصدقة سببٌ في أن يُظِلُّ الله -تعالى- المتصدّق بظلّه يوم القيامة، إذ روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ،… رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ).
- دعاءالملائكةللمنفقين بالعِوض والبركة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
- دخول المتصدّق من بابٍ خاصٍّ للجنة في الآخرة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ،… ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ).
- الصدقة تُطهّر المال من اللّغو الذي قد يحدث عند البيع، فقد ثبت عن قيس بن أبي غرزة -رضي الله عنه- أنه قال:(مرَّ بنا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا معشرَ التُّجَّارِ، إنَّ البيعَ يحضرُهُ اللَّغوُ والحلْفُ، فشوبوهُ بالصَّدقةِ).
- الصدقة سببٌ في رفع الابتلاءات والكُرُبات عن الناس، فقد روت أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -عليه السلام- قال:(صنائِعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السُّوءِ، والصدَقةُ خِفْيًا تُطفِيءُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمرِ، وكلُّ معروفٍ صدقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُم أهلُ المعروفِ في الآخِرةِ).
صور العطاء المتنوعة
لا يقتصر العطاء على المال فقط، بل يشمل كل ما ينفع الناس ويقرب إلى الله تعالى، مثل:
- إطعام الطعام
- كسوة العاري
- عيادة المريض
- قضاء حاجة المحتاج
- تعليم العلم
- الدعوة إلى الخير
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- إماطة الأذى عن الطريق
- الكلمة الطيبة
- التبسم في وجه أخيك
بعض الأحكام المتعلقة بالعطاء
أفضل الأوقات للعطاء
تتضاعف قيمة العطاء وأجره في بعض الأوقات الفاضلة، مثل:
- شهر رمضان المبارك، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس في هذا الشهر المبارك، والجود يعني العطاء، وقد ثبت ذلك بالسُّنة المشرّفة عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال:(كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ).
- يوم الجمعة
- العشر الأوائل من ذي الحجة
- عند حصول الكوارث والنوازل
- عند الحاجة الشديدة
أخلاقيات العطاء
للعطاء آداب وأخلاقيات ينبغي مراعاتها لتحقيق أفضل النتائج وأعظم الثواب، منها:
- أن تكون من الكسب الحلال، امتثالاً لأمره -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
- أن تكون خالصةً لله -تعالى-، خاليةً من النفاق والرياء والأذى، قال -تعالى-:(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
- الأفضل أن تكون الصدقة بالسّر لا بالجهر، امتثالاً لقوله -تعالى-:(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
- إخراج الصدقة بطيب نفسٍ، وحبٍ للمساعدة من غير إرغام أو إجبار، قال -تعالى-:(وَما مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقاتُهُم إِلّا أَنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَبِرَسولِهِ وَلا يَأتونَ الصَّلاةَ إِلّا وَهُم كُسالى وَلا يُنفِقونَ إِلّا وَهُم كارِهونَ).
- عدم استصغار ما يُقَدّم للصدقة، فقد حثَّ النبي -عليه السلام- التصدّق ولو بشقّ تمرة، وروى ذلك عدي بن حاتم الطائي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه السلام- قال:(اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاحَ ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
الأمور التي تُفقد العطاء أجره
هناك بعض الأمور التي تبطل ثواب العطاء وتذهب ببركته، منها:
- الرّياء بهدف الظّهور وثناء الناس، قال -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
- المنّ والأذى، قال -تعالى-:(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
- الصدقة من المال الحرام المسروق، عنعبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال:(إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ ولا صَدَقَةٌ مِن غُلُولٍ).
المصادر
- القرآن الكريم
- السنة النبوية الشريفة