جوهر العافية الذهنية
تُعتبر العافية الذهنية، شأنها شأن الصحة البدنية، أمرًا نسبيًا. فكما تظهر الأمراض البدنية نتيجة لزيادة الاختلالات في وظائف الجسم المختلفة، فإن الأمراض الذهنية لا تمتلك حدًا فاصلًا دقيقًا بينها وبين العافية الذهنية. بل إن ما يُظهر المرض هو تفاقم تلك الاختلالات.
تتحدد العافية الذهنية بقدرة الفرد على التكيف مع البيئة المحيطة به. فالشخص القادر على التوافق داخليًا مع نفسه وعلى الانسجام مع بيئته، يتمتع بعافية ذهنية جيدة. لأن المرض الذهني ما هو إلا صراعات نفسية داخلية تجعل الفرد غير متوافق مع ذاته ومع المجتمع، مما يؤدي إلى ظهور اضطرابات واضحة في حياته الانفعالية، وقد يظهر عليه الخوف الشديد والشعور بالاضطهاد من الآخرين.
الشخص المتمتع بالعافية الذهنية يظهر عليه النضج الانفعالي والقدرة على التحكم في انفعالاته، ويعبر عن رغباته وميوله ومشاعره بأسلوب متزن يخلو من الاندفاع والتهور. فما هو الإجهاد الذي يصيب الفرد؟ وما هي الأمراض الذهنية؟ وما أعراضها؟ وكيف يرتبط المرض البدني بالمرض الذهني؟ وما العلاقة بينهما؟
فهم الإجهاد
الإجهاد هو مجموعة من الأحداث والمواقف والأفكار التي تدفع الشخص إلى الشعور بالتوتر والقلق، وإحساس الفرد بأن المتطلبات تفوق قدراته وإمكانياته، مما يخرجه من حالة الاستقرار والتوازن النفسي إلى حالة من الاضطراب تظهر على شكل هم وحزن وألم.
الأمراض الذهنية: ماهيتها ومظاهرها
الأمراض الذهنية هي مجموعة من الانحرافات التي تظهر على الفرد، ولا ترتبط بخلل بدني أو عضوي، بل تعود أسبابها إلى عدم تكيف الفرد مع الظروف المحيطة به.
تظهر أعراض متعددة يمكن من خلالها استنتاج حالة الفرد الذهنية، ومنها: التوتر، والقلق، والوساوس، والكآبة، والتحول الهستيري، والشعور بضعف العزيمة، والخوف من المستقبل، والتشتت في الأفكار، والوهن الجسدي، وعدم القدرة على المثابرة والإنتاج. أما علاقته بالآخرين، فقد تكون عنيفة أو انطوائية.
عند ظهور الأمراض الذهنية، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور الأمراض الجسدية المصاحبة لها، وبالتالي يشعر الشخص بالإجهاد النفسي، وقد يظن أن ما يصيبه مجرد أفكار في ذهنه أو خيالات لا ترتبط بحالته الذهنية.
الرابط بين العافية الذهنية والصحة الجسدية
يمكن توضيح الصلة بين الإجهاد لدى الفرد وصحته البدنية بأنها علاقة عكسية. فكلما زاد الإجهاد، انخفضت الصحة العامة وتدهورت. بينما انخفاض الإجهاد يؤدي إلى صحة جيدة. ويعود السبب في ذلك إلى التغيرات الفسيولوجية في الجسم. فأي تأثير نفسي يشبه إشارة إنذار تترتب عليها ردود فعل في معظم أجزاء الجسم. هذه التغيرات التي تطرأ على الجسم نتيجة للحالة الذهنية يطلق عليها البعض استجابات التهيؤ.
يمكن ملاحظة هذه الردود عندما يتعرض الفرد لموقف يدفعه للحديث أمام جمع من الناس، حيث تطرأ عليه بعض التغيرات مثل حركة الرموش، والعرق، وجفاف الحلق، وزيادة ضربات القلب، وصعوبة التنفس. فكل هذه التغيرات نتجت عن الإجهاد الذي وُضع فيه الفرد. أُجريت دراسة على مجموعة من الأشخاص كان الهدف منها بيان الحالة الذهنية وأثرها على جهاز المناعة، فكانت النتيجة المذهلة أن جهاز المناعة يقل تركيزه في الجسم عند التعرض للإجهاد.
بينت إحدى الدراسات التي أُجريت في الاضطرابات النفسية والوقاية منها أن حوالي 450 مليون إنسان يُعاني من الاضطرابات النفسية على امتداد العالم، وأن ربع البشر سيُصابون بواحد أو أكثر من الاضطرابات النفسيّة في فترةٍ ما من حياتهم، وأن هذه الاضطرابات لا تُشكّل عِبئاً اقتصادياً واجتماعياً فحسب، بل هي تُشكّل خطراً على الصحةِ الجسديةِ، ولذلك وجب الوقاية من هذه الاضطرابات.[3][4]
تأثير العافية الذهنية على الجسم
أثبتت الدراسات الحديثة أن الإجهاد والغضب من العوامل المدمرة لصحة الإنسان، وإذا تفاقم الوضع قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة. ورغم المحاولات العديدة للمحافظة على الصحة مثل اتباع الحمية أو ممارسة الرياضة وغيرها من الوسائل الوقائية والعلاجية، إلا أن الدراسات أثبتت أن العوامل الاجتماعية والرضا والسعادة النفسية ووضع هدف في الحياة لها أكبر الأثر في المحافظة على الصحة الجسدية. ولذلك كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يوصي أصحابه بعدم الغضب، وأن عليهم الرضا والقناعة فهي سبب للسعادة والصحة.[5][6]
من الأمراض التي يسببها الإجهاد والضغط النفسي:[5][6]
- زيادة احتمالية الإصابة بأحد أنواع الأورام السرطانية، ويعود السبب في ذلك إلى ضعف جهاز المناعة لدى الفرد في حالة الانفعال النفسي.
- التأثير على القلب، فالضغط النفسي يؤثر عليه سلبًا، وله ارتباط بإصابة الإنسان بالنوبات القلبية.
- الإصابة بضيق الشرايين، وذلك من خلال دراسة أجريت على أشخاص قيست لهم مستويات هرمون الكورتيزول الذي ينتجه الجسم (هرمون الإجهاد) عندما يتعرض الإنسان إلى ضغوطات نفسية، ويؤدي إطلاقه إلى تضييق الشرايين.
- الإصابة بفقر الدم الناتج عن فقدان الشهية بسبب الضغط النفسي والتوتر.
- الإصابة بأمراض عديدة أخرى، مثل أوجاع الظهر والرقبة والكتفين والمعدة والرأس والصداع النصفي وارتفاع الضغط وتغيير لون الجلد بحيث يصبح شاحبًا.
فيديو: نظرة على تشخيص العافية الذهنية
للتعرف على المزيد من المعلومات عن العافية الذهنية وتشخيصها، شاهد الفيديو الآتي:
Include the Quran Verse and Hadith here without any changes
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”