الضوابط الشرعية للغيبة والنميمة

تعرف على حكم الغيبة والنميمة في الشريعة الإسلامية. تفصيل لحكم الغيبة، حكم النميمة، والحالات المستثناة التي يجوز فيها ذكر الآخرين في غيابهم.

الأحكام المتعلقة بالغيبة والنميمة في الإسلام

تعتبر الغيبة والنميمة من الأمور الخطيرة التي نهى عنها الإسلام لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع. وسنتناول هنا تعريف كل منهما وحكمهما الشرعي مع ذكر الحالات التي يجوز فيها ذكر الآخرين بما يكرهون.

الرأي الشرعي في الغيبة

الغِيبة هي: ذكرك أخاك المسلم بعيبٍ فيه في غيابه، وهي مُحرّمةٌ في الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع إلا ما استثناه الشرع. وقد سُئل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن الغيبة فقال:

(أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ قيلَ أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ).[2][3]

وقد اعتبرها العلماء من كبائر الذنوب لما لها من أضرار جسيمة. وقد وردت آيات قرآنية تحذر من الغيبة وتبين سوء عاقبة المغتابين، حيث قال تعالى:

(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ).[4]

كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- عاقبة الغيبة الوخيمة في الآخرة حيث قال:

(لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخْمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومِ الناسِ، ويقعون في أعراضِهم).[5][3]

الرأي الشرعي في النميمة

النميمة هي: نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد وإثارة الفتنة، سواءً كان الكلام المنقول صحيحًا أو كاذبًا. والنميمة مُحرّمةٌ بالإجماع، وقد دلت النصوص الشرعية على تحريمها بشكل صريح، قال تعالى:

(فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ*وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ*وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ*هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ).[6]

وقد بينت السنة النبوية سوء عاقبة النمام، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

(أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا بنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا).[7][8]

كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من النميمة وأثرها المدمر على المجتمع، فقال:

(ألا أخبرُكم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ).[9][8]

متى يُباح ذكر الآخرين بالسوء؟

هناك حالات استثنائية يجوز فيها ذكر الآخرين بما يكرهون، وذلك لتحقيق مصلحة معتبرة شرعًا أو لدفع ضرر، ومن هذه الحالات:

  1. عند طلب الفتوى.
  2. عند التحذير من شخص.
  3. عند التظلم.

أولاً: عند طلب الفتوى

يجوز للمستفتي أن يصف حاله للمفتي وإن كان في ذلك غيبة لغيره، وذلك لتمكين المفتي من إصدار فتوى صحيحة ومناسبة لحالته. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أن:

(قالَتْ هِنْدُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أنْ آخُذَ مِن مَالِهِ ما يَكْفِينِي وبَنِيَّ؟ قالَ: خُذِي بالمَعروفِ).[10][11][12]

ثانياً: عند التحذير من شخص

يجوز تحذير الناس من شر شخص ما بوصف حاله، وذلك لحماية المجتمع من أذاه. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس -رضي الله عنها-:

(أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ له، انْكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فيه خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بهِ).[13][11][12]

ثالثاً: عند التظلم

يجوز للمظلوم أن يشتكي من ظلمه لشخص قادر على نصرته، مثل القاضي أو الحاكم، وذلك لرفع الظلم عنه واستعادة حقه.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

ضوابط التشدد في الدين

المقال التالي

مختارات من أقوال الحكماء والفلاسفة

مقالات مشابهة