مقدمة
تناول الفقهاء والعلماء بالشرح والتفصيل أحكامًا شرعية متنوعة، ومن بين هذه الأحكام مسألة الزواج من أرملة الأب. الشريعة الإسلامية وضعت حدودًا واضحة في هذا الصدد، وسنتناول في هذا المقال هذه المسألة، مع ذكر الأدلة الشرعية وأقوال العلماء.
النظرة الشرعية للزواج من أرملة الأب
لقد حظر الله سبحانه وتعالى الزواج من زوجة الأب بنص قاطع وواضح في القرآن الكريم، حيث قال تعالى:
“وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا” (سورة النساء، الآية 22).
تحريم الزواج من أرملة الأب يقع بمجرد إتمام عقد الزواج بين الأب وزوجته، سواء حدث الدخول بها أم لا. هذا التحريم يستمر حتى بعد وفاة الأب أو طلاقها منه، فتكون أرملة الأب محرمة على الابن تحريمًا أبديًا. وهذا الحكم لا يقتصر على زوجة الأب المباشر فقط، بل يشمل زوجات الأجداد وآبائهم مهما عَلَوْا.
حكم الزواج بعقد غير صحيح
اختلف العلماء في حكم الزواج من أرملة الأب بعقد غير صحيح. فيما يلي تفصيل آراء المذاهب الفقهية المختلفة:
- الحنفية: يرى فقهاء الحنفية أن الزواج من أرملة الأب بعقد غير صحيح جائز شرعًا، لأن العقد غير الصحيح ليس له أي تأثير على الحرمة، بشرط ألا يكون الأب قد وطئ الزوجة أو دخل بها دخولًا حقيقيًا.
-
المالكية: يميز فقهاء المالكية بين العقد غير الصحيح الذي اتفق العلماء على بطلانه والعقد غير الصحيح الذي لم يتفقوا عليه.
- العقد المتفق على فساده: لا تحرم به زوجة الأب على الابن إلا إذا كان الأب قد دخل بها دخولًا حقيقيًا، أو حصل بينهما مقدمات الوطء.
- العقد المختلف في فساده: تحرم به زوجة الأب على الابن، ولا فرق بينه وبين العقد الصحيح.
- الشافعية: يوافق فقهاء الشافعية فقهاء الحنفية؛ حيث يرون أن العقد غير الصحيح لا يحرم زوجة الأب على الابن إلا إذا كان الأب قد وطئ الزوجة ودخل بها دخولًا حقيقيًا، وبناءً على ذلك فإن زوجة الأب عندهم لا تحرم على الابن إلا بالعقد الصحيح أو الوطء.
- الحنابلة: لا يفرق فقهاء الحنابلة بين العقد الصحيح والعقد غير الصحيح من حيث تأثيره على حرمة الزواج من زوجة الأب؛ حيث يرون حرمة الزواج منها بمطلق العقد، سواء كان العقد فاسدًا أم صحيحًا، وسواء تم الدخول أو لم يتم.
الحكمة من تحريم الزواج بأرملة الأب
تحريم الزواج من أرملة الأب يهدف إلى قطع الطريق على أي مشاعر قد تنشأ بين الابن وزوجة أبيه. قد يؤدي الإعجاب بزوجة الأب إلى تمني الزواج بها بعد وفاة الأب، مما قد يدفع الابن إلى الفرح لموته أو حتى السعي لقتله. لذلك، جاء الشرع ليحرم هذا الزواج حتى بعد الوفاة، لكي لا يطمع الابن في زوجة أبيه.
إن الشريعة الإسلامية تحرص على حفظ العلاقات الأسرية وتنقيتها من أي شوائب قد تعكر صفوها. تحريم الزواج من زوجة الأب يساهم في الحفاظ على الاحترام المتبادل داخل الأسرة ويمنع أي نزاعات محتملة.
المصادر
- مجموعة من المؤلفين، فتاوى دار الإفتاء المصرية، صفحة 318، جزء 1.
- سورة النساء، آية: 22.
- عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 61، جزء 4.
- عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة 2)، بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 64-65، جزء 4.
- الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 2091، جزء 4.