مقدمة حول الخلع
يعتبر الخلع في اللغة العربية هو التعرية والإزالة، أما في الشرع فهو عبارة عن انفصال الزوجين بالتراضي. يتم ذلك باستعمال لفظ الخلع أو أي لفظ يحمل نفس المعنى، ويتم بمقابل مادي أو تعويض تدفعه الزوجة للزوج. وقد سمي الخلع بهذا الاسم لأن الزوجة تقوم بإزالة نفسها من العصمة الزوجية، تمامًا كما يخلع الإنسان ثوبه.
الحكم الشرعي للخلع بلا سبب
الأصل في الخلع أنه جائز، ولكن قد يختلف هذا الحكم تبعًا للظروف والأسباب المحيطة به. ومن الأدلة الشرعية التي تدعم مشروعية الخلع قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾. وأيضًا ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بنِ قَيْسِ بنِ شَمَّاسٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أنْقِمُ علَى ثَابِتٍ في دِينٍ ولَا خُلُقٍ، إلَّا أنِّي أخَافُ الكُفْرَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عليه، وأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا”.
يجوز للمرأة طلب الخلع إذا كان هناك سبب مشروع يدفعها لذلك، مثل وجود عيب في الزوج يجعلها تنفر منه. أما إذا طلبت المرأة الخلع بدون سبب قاهر أو ضرورة ملحة، فإن ذلك يعتبر غير جائز شرعًا. وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمرأة طلب الخلع من زوجها دون وجود سبب مقبول أو ضرورة قوية، لأنه يمثل ضررًا لها ولزوجها بدون مبرر. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: “أيُّمَا امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا في غيرِ ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ”. وهذا الحديث يدل على أن المرأة التي تطلب الخلع بدون سبب مشروع ستُحرم من رائحة الجنة.
من الجدير بالذكر أنه لا يجوز للزوج أن يؤذي زوجته أو يضيّق عليها أو يسيء معاملتها بهدف إجبارها على طلب الخلع. فالشريعة الإسلامية حرمت ظلم الزوجة وإيذائها ومنعها من حقوقها حتى تطلب الخلع بنفسها. وقد ذم الله عز وجل من يفعل ذلك، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾.
العبارات المستخدمة في الخلع
يمكن أن يتم الخلع بلفظ صريح أو بألفاظ أخرى تحمل نفس المعنى. وفيما يلي توضيح لذلك:
- الألفاظ الصريحة: هي الألفاظ التي لا تحتاج إلى نية، مثل قول الزوج: “خالعتك” أو “فسخت نكاحك” أو “فاديتك”.
- الألفاظ غير الصريحة: هي الألفاظ التي تحتاج إلى نية، لأنها قد تحتمل أكثر من معنى، مثل قول الزوج: “باينتك” أو “باريتك” أو “أبرأتك”.
الغاية من إقرار الخلع
تتميز الشريعة الإسلامية بالواقعية، حيث تراعي مصالح العباد وتهتم بمشاعر الزوجين ورغبتهما في استمرار الحياة الزوجية وتحقيق السعادة. لذلك، وضعت الشريعة وسائل وطرق لحل المشاكل الزوجية، وأعطت لكل من الزوجين الحق في الانفصال إذا استحالت العشرة بينهما. فكما أن للرجل الحق في الطلاق، فإن للمرأة في المقابل الحق في الخلع، وذلك إذا لحقها ضرر بسبب استمرار النكاح بينها وبين زوجها. وفي هذه الحالة، يحق لها أن تطلب الخلع من زوجها مقابل فداء نفسها بدفع تعويض له لقاء إنهاء العلاقة الزوجية، خاصة إذا لم يكن الزوج هو المتسبب في المشاكل.
المصادر
- عبد الوهاب خلاف، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
- صحيح البخاري.
- محمود محمد غريب، الطَّلاق تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم.
- أبو مالك كمال بن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة.
- صحيح أبي داود.
- حمد بن عبد الله بن عبد العزيز الحمد، دروس الشيخ حمد الحمد.