مقدمة
يهدف هذا المقال إلى توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة ببعض المهن التي قد تثير تساؤلات حول مدى توافقها مع الضوابط والقيم الإسلامية. وسنناقش بشكل خاص حكم عمل الرجل كحلاق في صالون نسائي، بالإضافة إلى ضوابط عمل المرأة في صالونات التجميل، وكيفية التوبة من الأعمال التي قد تعتبر مخالفة للشريعة الإسلامية.
الرأي الشرعي في عمل الحلاقة بمحل للسيدات
يعتبر العمل في مهنة تصفيف شعر النساء من قِبل الرجال الأجانب أمرًا يثير جدلاً شرعيًا. يرى العديد من العلماء أنه عمل غير جائز، وذلك لما يتضمنه من مخالفات للضوابط الشرعية المتعلقة بالنظر إلى عورة المرأة ولمسها من قِبل غير المحارم، وأيضًا لما قد يترتب عليه من إعانة على التزين المحرم.
والمال المكتسب من هذا العمل يعتبر مالًا حرامًا، وعلى من يمتهن هذه المهنة المسارعة إلى التوبة النصوح وتركها. ولا ينبغي الاغترار بما قد يحققه هذا العمل من مكاسب مادية كبيرة مقارنة بغيره من الأعمال المباحة.
قال الله تعالى: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100].
وجاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ -أي حرام-، النَّارُ أَوْلَى بِهِ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له).
إن هذا الحديث يؤكد على أهمية الكسب الحلال في استجابة الدعاء وقبول العمل الصالح. فالرجل الذي توافرت له أسباب الإجابة من سفر ورفع اليدين والتضرع إلى الله، ومع ذلك لا يستجاب له بسبب كسبه الحرام.
إن عمل الحلاق في صالون نسائي يزيد من حرمة هذا العمل بسبب ما فيه من نظر إلى عورة المرأة الأجنبية ولمسها، وكذلك الإعانة على التزين المحرم إذا كان يعلم أن المرأة تتزين لغير زوجها.
حكم اشتغال المرأة في مراكز التجميل النسائية
الأصل في العمل في صالونات التجميل النسائية أنه جائز، ولا يوجد فيه حرج من حيث المبدأ، بل هو من الأعمال المباحة التي قد تكون مطلوبة في بعض الأحيان. فتجميل المرأة لزوجها هو أمر مستحب شرعًا، وقد تحتاج المرأة إلى مساعدة من غيرها لتحقيق ذلك.
لذلك، فإن وجود امرأة تتقن فنون التجميل هو أمر حسن ومفيد، بشرط أن يخلو هذا العمل من المخالفات والمحاذير الشرعية، مثل كشف العورات أو الغش أو النميمة أو غيرها من الأمور المحرمة.
كما يجب على العاملة في صالون التجميل أن تلتزم بالضوابط الشرعية المتعلقة باللباس المحتشم والكلام الطيب وتجنب الخلوة المحرمة.
كيفية التوبة لمن عمل في مهنة تصفيف الشعر النسائي
إذا كان الرجل قد عمل في مهنة تصفيف الشعر النسائي، فعليه أن يبادر إلى التوبة الصادقة والندم على ما فعل، وأن يستغفر الله ويتوب إليه توبة نصوحًا. وعليه أيضًا أن يكثر من الأعمال الصالحة والاستغفار، عسى الله أن يغفر له ويتوب عليه.
قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 110].
وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 54].
وقال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 39].
أما الأموال التي اكتسبها من هذا العمل المحرم، فيجب عليه التخلص منها بإنفاقها في مصالح المسلمين، مثل مساعدة الفقراء والمساكين وبناء المساجد والمدارس وغيرها من الأعمال الخيرية. وعليه أن يستغني عن هذا المال بالكسب الحلال، مثل العمل في مهنة الحلاقة للرجال.
وإذا كان فقيرًا ومحتاجًا، فله أن يأخذ من هذا المال بقدر ما يسد حاجته ويرفع عنه الفقر، ثم يستثمر هذا القدر من المال في تجارة أو عمل مباح وينفق على نفسه من ريعه، ثم يصرف تدريجيًا من المال في مصالح المسلمين حتى يتأكد من براءة ذمته.
المراجع
- سورة المائدة، آية: 100
- رواه أحمد بن حنبل ، في مسند أحمد، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:14441، صححه الألباني بلفظ ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ).
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1015.