الضوابط الشرعية لبيع الكلاب

استعراض آراء الفقهاء في حكم بيع الكلاب للصيد والحراسة والزينة، مع توضيح حكم اقتناء الكلاب في الإسلام وأحكامه المتعلقة بالطهارة والنجاسة.

وجهات النظر الفقهية في بيع كلاب الحراسة والصيد

اختلف علماء المذاهب الأربعة في تحديد حكم بيع الكلاب، وتوزعت آراؤهم إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:

  • الرأي الأول: جواز البيع لأغراض محددة (الصيد والحراسة): يرى سحنون من المالكية جواز بيع الكلاب إذا كان الهدف من ذلك هو استخدامها في الصيد أو الحراسة، وذلك لأن الكلب يُعتبر مالًا يجوز تداوله. فالبيع هو في الأصل مبادلة مال بمال، والاستفادة من الكلب في الحراسة والصيد يجعله سلعة قابلة للبيع. وكل ما يحقق منفعة مباحة، يجوز بيعه، وهذا يتماشى مع تحقيق مصالح الناس وتلبية احتياجاتهم.

  • الرأي الثاني: جواز البيع مطلقًا: يذهب الحنفية إلى جواز بيع الكلاب بصورة مطلقة، سواء كانت مُعلَّمة للصيد أو تستخدم للحراسة. وقد استدلوا بقوله -تعالى-:(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّـهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).[٢]

  • الرأي الثالث: عدم جواز البيع مع جواز الاقتناء: يرى الشافعية والحنابلة، وهو الأصل عند المالكية، أنه لا يجوز بيع الكلاب حتى وإن كان الغرض منها هو الصيد أو الحراسة، مع التسليم بجواز اقتنائها. ويستند هذا الرأي إلى أن إباحة الانتفاع بالشيء لا تستلزم جواز بيعه، كما هو الحال في “أم الولد”. كما يشترطون في المبيع أن يكون طاهرًا، والكلب يعتبر نجسًا نجاسة عينية لا يمكن تطهيرها. وقد استدلوا بما ورد عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة أنه قال:(رَأَيْتُ أبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فأمَرَ بمَحَاجِمِهِ، فَكُسِرَتْ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ قالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن ثَمَنِ الدَّمِ، وثَمَنِ الكَلْبِ، وكَسْبِ الأمَةِ، ولَعَنَ الوَاشِمَةَ والمُسْتَوْشِمَةَ، وآكِلَ الرِّبَا، ومُوكِلَهُ، ولَعَنَ المُصَوِّرَ).[٣]

    كما استدلوا بما ثبت عن عبدالله بن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال:(ثمنُ الخمْرِ حرامٌ، ومَهْرُ البغِيِّ حرامٌ، وثمَنُ الكلْبِ حرامٌ، والكَوْبةُ حرامٌ، وإنْ أتاكَ صاحِبُ الكلْبِ يَلتَمِسُ ثمنَهُ فامْلأْ يديْهِ تُرابًا، والخمرُ والميْسِرُحرامٌ، وكلُّ مُسكِرٍ حرامٌ).[٤]

حكم المتاجرة بكلاب الزينة

لا يجوز بيع الكلاب إذا كان الهدف من ذلك هو مجرد الزينة، لأن الزينة لا تعتبر حاجة أو مصلحة تبرر اقتناء الكلب أو بيعه.[٥] وقد روي عن سفيان بن أبي زهير الأزدي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال:(مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، لا يُغْنِي عنْه زَرْعًا ولا ضَرْعًا، نَقَصَ مِن عَمَلِهِ كُلَّ يَومٍ قِيراطٌ. قالَ: آنْتَ سَمِعْتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-؟ قالَ: إيْ ورَبِّ هذا المَسْجِدِ).[٦]

المنظور الإسلامي لاقتناء الكلاب

لا يجوز الاحتفاظ بالكلاب إلا إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة مشروعة، لأن تربية الكلاب بدون سبب يؤدي إلى تخويف الناس وإزعاجهم، وقد يكون سببا في منع دخول الملائكة إلى البيت، بالإضافة إلى النجاسة التي قد تصاحبها. واقتناء الكلب بدون حاجة أو مصلحة ينقص من أجر صاحبه كل يوم قيراطين.[٧] ويؤكد ذلك ما ورد عن عبد الله بن عمر، قال:(سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- رافعًا صوتَهُ، يأمرُ بقَتلِ الكِلابِ فكانَتِ الكِلابُ تُقتَلُ إلَّا كلبَ صَيدٍ أو ماشيةٍ قالَ ابنُ شِهابٍ: وحدَّثَني سعيدُ بنُ المسيِّبِ عن أبي هُرَيْرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ: مَنِ اقتَنى كلبًا -لَيسَ بِكَلبِ صيدٍ، ولا ماشِيةٍ، ولا أرضٍ- فإنَّهُ ينقُصُ من أجرِهِ قيراطانِ في كلِّ يومٍ).[٨]

المصادر

  1. عبد الناصر بن خضر ميلاد (1426)،البيوع المحرمة والمنهي(الطبعة 1)، مصر:دار الهدى النبوي، صفحة 176-182، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية:4
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة ، الصفحة أو الرقم:2238، صحيح.
  4. رواه تخريج سنن الدارقطني، في شعيب الأرناؤوط، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2814 ، صحيح.
  5. لجنة الإفتاء (22-11-2016)،”حكم تربية الكلاب وبيعها فيه تفصيل”،دار الافتاء الأردني، اطّلع عليه بتاريخ 22-1-2022. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سفيان بن أبي زهير الأزدي، الصفحة أو الرقم:1576، صحيح.
  7. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2010)،مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة(الطبعة 11)، المملكة العربية السعودية :دار أصداء المجتمع، صفحة 875. بتصرّف.
  8. رواه العيني، في نخب الافكار، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:12/90، طريقه صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

آراء الشريعة في بيع وتربية القطط

المقال التالي

الضوابط الشرعية لبيع المياه

مقالات مشابهة