السنة النبوية: لغةً واصطلاحاً

شرح شامل لمفهوم السنة النبوية من منظور لغوي واصطلاحي، مع توضيح آراء الأصوليين، المحدثين، والفقهاء.
محتويات
المعنى اللغوي للسنة
المعنى الاصطلاحي للسنة
نظرة الأصوليين للسنة
رأي المحدثين في السنة
فهم الفقهاء للسنة
المراجع

المعنى اللغوي للسنة

اشتقت كلمة “سنة” من الفعل “سَنَنَ” بفتح السين، ومصدرها “السَّنُّ” بضم النون وتشديدها. يشير ابن فارس في “مقاييس اللغة” إلى أنَّ “سنٌّ” تدل على سهولة جريان الشيء، وقد استُخدم اللفظ أصلاً للماء، فمثلاً: “سَنَنْتُ الماء” أي أجرّيته في مجرى. وبالتالي، فالسنة تعني السيرة، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي سيرته. [١]

سميت سنة الرسول بذلك لأنها سيرة مستقيمة، فهي الطريق الواضح، والمنهج القويم، كما في قوله تعالى: (سُنَّةَ مَن قَد أَرسَلنا قَبلَكَ مِن رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحويلًا) [٢]، وقوله تعالى: (سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا) [٣].

المعنى الاصطلاحي للسنة

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :(تركتُ فيكم أمرينِ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما: كتابَ اللَّهِ وسُنَّتي، ولن يتفَرَّقا حتَّى يرِدا عليَّ الحوضَ) [٤]. تُعتبر السنة النبوية المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم. يمكن تعريفها باختصار بأنها كل ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير بخلاف القرآن الكريم. [٥]

يختلف تعريف السنة بين أهل الحديث والأصوليين والفقهاء. فالسنة عند أهل الحديث أوسع من تعريفها عند الفقهاء، وسنوضح ذلك بالتفصيل.

السنة من وجهة نظر الأصوليين

يُعرّف الأصوليون السنة بأنها ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير، يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي. [٦] ركز علماء أصول الفقه على النبي -صلى الله عليه وسلم- كمشرع، يُحدد قواعد الحياة، ويُمهّد الطريق للمجتهدين من بعده. لذا، يبحثون عن أقواله وأفعاله وتقريراته التي تُثبت الأحكام الشرعية. [٧]

السنة عند المحدثين

تُطلق كلمة “سنة” عند المحدثين على عدة مصطلحات، مثل الحديث والأثر. وتوجد اختلافات في الآراء حول ذلك: [٨]

  • يعتقد جمهور علماء الحديث أن السنة والحديث والأثر مترادفة.
  • ذهب بعضهم إلى أن السنة هي الأحاديث التي تستخرج منها الأحكام الشرعية، باستثناء الحديث المنسوخ وصفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الخلقية.
  • رأى البعض الآخر أن الخبر أوسع من الحديث، فهو يشمل ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما ورد عن غيره، بينما الحديث خاص بما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط.
  • بعضهم عرّف الأثر بأنه ما نُسب إلى الصحابي أو التابعي، والحديث ما نُسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إجمالاً، الحديث عند المحدثين هو ما أُضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية. [٨] يُلاحظ أن تعريف السنة عند المحدثين أوسع من تعريفها عند الأصوليين والفقهاء؛ لأنهم يركزون على النبي -صلى الله عليه وسلم- كقدوة، فكل ما يتعلق به من سيرة، وشمائل، وأخبار، هو موضع اهتمامهم سواء كان يُثبت به حكم شرعي أم لا. [٧]

السنة من منظور الفقهاء

يُعرّف الفقهاء السنة بأنها الصفة الشرعية للفعل المطلوب طلباً غير جازم، بحيث يُثاب الفاعل ولا يُعاقب تاركه. وقد تُطلق السنة عندهم على ما يُقابل البدعة، مثل تقسيمهم للطلاق إلى طلاق سنة وطلاق بدعة (غير موافق للسنة). يُقال: إن هذا العمل سنة؛ أي مشروع له أصل في الشرع، سواء كان شرعه في الكتاب أو في السنة. [١٠]

يبحث الفقهاء عن أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تدل على حكم شرعي، من وجوب أو حرمة أو ندب أو إباحة. السنة عندهم حكم، أي أن هذا الفعل حكمه السنية والندب، ليس فرضا أو واجبا. [٧]

المراجع

  1. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، صفحة 61. بتصرّف.
  2. سورة الإسراء، آية:77
  3. سورة الفتح، آية:23
  4. رواه الألباني، في منزلة السنة، عن مالك بن انس، حسن.
  5. عبد الكريم زيدان، المدخل إلى دراسة الشريعة الإسلامية، صفحة 180.
  6. طاهر الجزائري، توجيه النظر إلى أصول الأثر، صفحة 40. بتصرّف.
  7. مصطفى السباعي، السنة ومكانتها، صفحة 49. بتصرّف.
  8. محمود الطحان، تيسير مصطلح الحديث، صفحة 17-18. بتصرّف.
  9. جمال الدين القاسمي، كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، صفحة 61. بتصرّف.
  10. محمد الشوكاني، إرشاد الفحول، صفحة 95. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

فهم السنة النبوية الشريفة

المقال التالي

فهم جوهر السنع الإماراتي: قيم وتقاليد أصيلة

مقالات مشابهة