مقدمة
عندما يتدبر المؤمن آيات القرآن الكريم، يلاحظ وجود أسلوب فريد يميز الآيات المكية عن تلك المدنية. وقد اهتم العلماء بشكل كبير بتوضيح هذا التباين بين السور المكية والمدنية، مؤكدين على أهمية هذه المعرفة في تفسير وفهم كتاب الله الحكيم. فلا يجوز لأحد تفسير القرآن دون إلمام بعلم المكي والمدني، لما له من أثر بالغ في استيعاب معاني الآيات ودلالاتها.
الخصائص العامة للسور المدنية
ذكر العلماء مجموعة من السمات التي تختص بها السور المدنية، ومن أبرزها:
تفصيل التشريعات: تتناول السور المدنية بشكل أساسي تفاصيل الأحكام الشرعية والقوانين، مثل العبادات، والمعاملات، والحدود، وفضائل الجهاد، والعلاقات الاجتماعية، وغيرها من الأحكام التفصيلية.
مخاطبة أهل الكتاب: تتوجه السور المدنية بالخطاب إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، داعية إياهم إلى الحق، وموضحة تحريفهم لكتاب الله، ومبينة ضلالهم وانحرافهم عن الدين الحق.
ذكر المنافقين: تتناول السور المدنية أحوال المنافقين وصفاتهم وسلوكياتهم، محذرة من خطرهم على الدين الإسلامي والمجتمع المسلم، ومنبهة المؤمنين من الوقوع في طريقهم.
الإسهاب والتفصيل: تتسم آيات السور المدنية بالإسهاب والتطويل مقارنة بالسور المكية، ويعود ذلك إلى أن أهل المدينة لم يكونوا يتمتعون بنفس مستوى الفصاحة والبلاغة الذي كان يتمتع به أهل مكة، فكانوا بحاجة إلى المزيد من الشرح والتوضيح.
معايير استقرائية لتحديد السور المدنية
وضع العلماء عدة معايير يمكن الاعتماد عليها لتحديد ما إذا كانت السورة أو الآية مدنية، ومن هذه المعايير:
النداء بـ “يا أيها الذين آمنوا”: كل سورة تبدأ بالنداء “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا” تعتبر سورة مدنية.
ذكر الفرائض والحدود: كل سورة تتضمن ذكر فريضة من الفرائض أو حد من الحدود تعتبر سورة مدنية.
ذكر المنافقين: كل سورة تتحدث عن المنافقين وأوصافهم تعتبر سورة مدنية.
مجادلة أهل الكتاب: كل سورة تتضمن مجادلة أو مناقشة مع أهل الكتاب تعتبر سورة مدنية.
التمييز بين السور المكية والمدنية
اختلف العلماء في تحديد الفرق بين السور المكية والمدنية إلى ثلاثة آراء:
المعيار المكاني: السور المكية هي التي نزلت في مكة المكرمة، بينما السور المدنية هي التي نزلت في المدينة المنورة.
المعيار الزماني: السور المكية هي التي نزلت قبل الهجرة النبوية، بينما السور المدنية هي التي نزلت بعد الهجرة، وهذا هو الرأي الأكثر شيوعاً.
المعيار الموضوعي: السور المكية هي التي تخاطب أهل مكة، بينما السور المدنية هي التي تخاطب أهل المدينة.
كيفية تحديد ما إذا كانت السورة مكية أو مدنية
ذكر العلماء طريقتين لمعرفة ما إذا كانت السورة مكية أو مدنية:
النقل والرواية: الاعتماد على النقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضي الله عنهم بأن هذه السورة مكية أو مدنية. فعن عبد الله ابن مسعود أنه قال: “وَالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما مِن كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَما مِن آيَةٍ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيما أُنْزِلَتْ، ولو أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإبِلُ، لَرَكِبْتُ إلَيْهِ.”
الاستقراء والخصائص: الاعتماد على الضوابط والخصائص التي وضعها العلماء من خلال دراستهم المستفيضة للقرآن الكريم، والتي تمكن القارئ من التمييز بين السور المكية والمدنية بسهولة ويسر.
المصادر
- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان.
- علوم القرآن الكريم، نور الدين عتر.
- مناهل العرفان في علوم القران، الزرقاني.
- الاتقان في علوم القرآن، السيوطي.
- البرهان في علوم القرآن، بدر الدين الزركشي.
- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج.