السمات المميزة لشعر عمر بن أبي ربيعة

استكشاف أبرز السمات في شعر عمر بن أبي ربيعة: الأسلوب القصصي، التصوير اللوني، اللغة الجمالية، وخفة الظل.

الأبعاد القصصية في شعر ابن أبي ربيعة

يُعتبر الأسلوب القصصي من الجوانب اللافتة في شعر ابن أبي ربيعة، حيث كان يعتمد على تقديم الأحداث في سياق شعري متسلسل ومنطقي، مما يضفي على شعره رونقًا خاصًا. وتشتمل هذه السمة على عدة عناصر أساسية:

  • الراوي: يمثل صوت الراوي الأساس في تتبع مسار الأحداث، سواء كان مشاركًا في القصة أم لا. غالبًا ما يكون عمر بن أبي ربيعة هو الراوي الأساسي في أشعاره، حيث تدور القصائد حول تجاربه الشخصية. وكما قال في هذا:

    فأنت أبا الخطّاب، غير مُدافع
    على أمير ما مكث مُؤْمَر

  • الحبكة: تتضمن الأحداث التي تُروى في النص، وتتطور من خلال الشخصيات والحوارات في إطار زماني ومكاني محدد. ديوان ابن أبي ربيعة حافل بالقصص التي تأخذ القارئ إلى عوالم الحب والمشاعر، وقصيدته “الرائية” مثال واضح على ذلك. التسلسل القصصي في “الرائية” يتضمن: الذهاب للقاء “نعم”، الوصول إلى مكان إقامتها، ترقب حلول الظلام، التعرف عليها من رائحتها، صدمة المحبوبة لرؤيته، والحوار الذي دار بينهما.
  • الشخصيات: تلعب دورًا حيويًا في جذب القراء إلى العمل الأدبي. وتعرف الشخصية لغةً بأنها “كل جسم له ارتفاع، وظهور يُراد به إثبات الذّات”. وتتضح من خلالها أفكار العمل بشكل عام، كما أشار الكاتب رولان بارت في كتابه “النّقد البنيويّ للحكاية” أنه لا يوجد نص في العالم يُسرد بلا شخصيّات. وتنقسم إلى رئيسية وثانوية. الشخصيات الرئيسية هي الفاعلة في النص، وتظهر بشكل متكرر، في حين أن الثانوية تساعد في إبراز جوانب الشخصية الرئيسية. على سبيل المثال، قريب “نعم” يظهر كشخصية ثانوية تثير غيرة الشاعر. ومن الأمثلة على الشخصيات الرئيسية في شعره:

    فقالت فإنّا قد بذلنا لكِ الهوى
    فبالطّائر الميمون تُلقى وتُحبَر

    فقلتُ له: إن كنت أهل مودّة
    فميعاد بيني وبينك عزوَر

    وهذا مثال على الشخصيات الثانوية، وهي قريب محبوبة ابن أبي ربيعة “نُعْم”:

    إذا زُرت نُعماً لم يزل ذو قرابة
    لها كُلّما لاقيتها يتنمّر

  • الحوار: هو التبادل الكلامي بين الشخصيات، ويمثل وسيلة هامة لتصويرها. تميز شعر ابن أبي ربيعة بمهارته في استخدام الحوار، والتنقل بين “قلت لها” و “قالت لي”. مثال على ذلك الحوار في قصيدته الرائية:

    فحيّيتُ إذ فاجأتُها فتولّهت
    وكادتْ بمخفوض التّحيّة تجهرُ

    وقالت وعضّت بالبنان فضحتني
    وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسرُ

  • المكان: يعتبر بمثابة العمود الفقري للنص، حيث يضفي جمالًا على الأحداث. يذكر ابن أبي ربيعة أماكن مثل “الجزع”، “الأذاخر”، “الحراء”، و”الأبطح”، التي كانت مواقع ملائمة للحديث عن الحب. ومن ذلك قوله:

    حدِّث حديث فتاة حَيٍّ مرّة
    بالجزع بين أذاخر وحرّاء

    قالت لجارتها (عشاء) إذ رأتن
    زه المكان وغيبة الأعداء

    في روضة يمّمنها موليّة
    ميثاء رابية بعيد سماء

    في ظلّ دانية الغُصون وريقة
    نبتت بأبطح طيب الثّرياء

  • الزمان: ينقل الأحداث والشخصيات من حال إلى آخر. يظهر الزمان في شعر ابن أبي ربيعة إما محددًا بوقت معين أو مفتوحًا. يغلب على قصائده استعمال الزمن الماضي، خاصة عند الحديث عن “الليل”، لما يمثله من جمال وسحر، ولأنه كان مسرحًا للقاءاته. ومن ذلك قوله:

    فيا لك من ليل تقاصر طولهُ
    وما كان ليلي قبل ذلك يقصُرُ

التصويرات اللونية في أشعار عمر

تلعب الألوان دورًا هامًا في تصوير المشهد النفسي في شعر عمر بن أبي ربيعة، وتعكس الحياة والحضارة في الحجاز. يتجلى اللون في شعره من خلال نسقين:

  • نسق الصور: يتعلق بثلاث صور: صورة غزل المرأة (شعرها، عينيها، وجهها، ثيابها، إلخ)، صورة الشاعر، وصورة الطبيعة.
  • نسق اللون نفسه: يتضمن ثلاثة أنواع:
    • اللون الصريح: استخدام الألوان بشكل واضح في التصويرات الشعرية. غلب اللونان الأبيض والأسود على شعره، مع قليل من الألوان الأخرى.
    • اللون الضمني: استخدام غير مباشر للألوان، من خلال ذكر القمر، الشمس، الليل، البرق، وغيرها. يعد هذا اللون الأكثر ورودًا في شعره. شبه بياض وجه المرأة بضياء القمر في قوله: “كما يضيءُ ظلامَ الحندسِ القمر”.
    • اللون دالاً: ذكر كلمة “اللون” بشكل واضح، وترك الخيال للقارئ ليختار اللون المناسب. يُعد هذا النوع الأقل استخدامًا في شعره. ومن الأمثلة على استخدام هذا اللون أبيات ابن أبي ربيعة في “أسماء”:

      قِفي فانظري أسماءُ هل تعرفينَهُ
      أَهذا المُغيريُّ الذي كان يُذكَرُ

      فقالت نعم لا شكّ غيّر لونهُ
      سُرى الّليل يُحيِي نَصَّهُ والتهجُّرُ

الجماليات اللغوية في شعر عمر بن أبي ربيعة

تتميز لغة عمر بن أبي ربيعة بجمالها الخاص، الذي ينبع من نظرته المختلفة لطبيعة الجمال. تتفاعل التراكيب والمفردات والصيغ والتصويرات الشعرية مع تجربته الذاتية لتكوين حالة جمالية فريدة.

تتمثل اللغة في شعره في اختيار المفردة المناسبة التي تحمل الطابع العرفي التراثي، واستخدام الصيغ المتكررة. يركز على تصوير المرأة والأعراف والعادات.

منطق اللغة عنده يخضع للمفاهيم التراثية الجماعية. على الرغم من ذكره للعديد من المحبوبات، إلا أنه يميزهن من خلال توزيع صفات الجمال بينهن، ليخلق صورة مثالية لجمال المرأة. تتسم لغته بليونتها وقربها من ألسنة الناس.

روح الدعابة والفكاهة في غزل أبي ربيعة

تضفي هذه السمة على شعر عمر بن أبي ربيعة طابعًا خفيفًا ومرحًا. يروي حكاياته الغزلية بحوارات وسرد يحمل طابع الفكاهة والألفة، دون تكلف في اللغة. تتميز هذه السمة باحتوائها على أساليب متنوعة من الحوارات والسرد، بالإضافة إلى عنصري المفاجأة والمفارقة.

كانت هذه السمة شائعة في شعر الغزل لأهل الحجاز المتحضر، خاصة في شعر ابن أبي ربيعة الذي كان يروي قصصه الغزلية بأسلوب هزلي طريف، مما جعله رائدًا للقصص اللاهية في الشعر. تظهر القصة الهزلية بعدة مظاهر:

  • القصص الحوارية: ترتكز على الحوار بين الشاعر ومحبوبته، أو بين المحبوبة وصديقاتها.
  • القصص المتعلقة بالمواقف: تظهر المشاهد بشكل فردي، مع أحداث متفرقة.
  • القصص الغزلية التامة: تتسم بالزخم والكثافة في أساليب السرد والحوار. يتم إيراد القصة كاملة بشخصياتها وأحداثها وزمانها ومكانها.

صورة المرأة في قصائد عمر

تحتل المرأة مكانة كبيرة في شعر عمر بن أبي ربيعة. لم يكن له محبوبة واحدة، بل تغزل بالعديد من النساء. لم يكن يهتم بالأغاني والأموال، بل بالمرأة وجمالها. كان يترقب رؤيتها في أي موقف، حتى أنه تنكر في ثياب أعرابي ليرى بعض النسوة.

تناولت أشعاره وصفًا كاملاً للمرأة ومفاتنها، وذلك من خلال ذكر أجمل شيء في كل امرأة. كان يجمع بين الصفات الجميلة في النساء ليخلق صورة جمالية متكاملة. كان يعد من مواطن جمال المرأة خدها، ووجهها، وشعرها، وقوامها. وقد قال واصفاً حاله هذه:

إنّي امرؤ مُولع بالحُسن أتّبِعهُ
لا حظّ لي فيه إلّا لذّة النَّظرِ

الصور الحسية في نظم عمر

تجسد هذه السمة التجارب والمغامرات التي خاضها عمر بن أبي ربيعة. تترك الصور التي كان يوردها في شعره أثرًا عميقًا لدى القارئ، وتظهر عمق التجربة، وتضفي حسًا ممتعًا. يظهر التصوير الحسي المرأة الحجازية بشخصيتها وحكمتها وذكائها من خلال ذكر ما تعانيه من تجارب.

الصورة الحسية، والبصرية منها تحديدًا، تعكس دواخل الشاعر من عواطف الحنين والرغبات والغضب والوله والخوف. لم يكتف بإيرادها لإثبات الحدث، بل أوجد حالة من التصوير لذكرياته فيها. ومثال ذلك قوله في إحدى قصائده عن محبوبته هند:

لِمَن الدّيارُ كأنّهُنّ سُطورُ
تسدي معالمَها الصَّبا وَتُنيرُ

لَعِبَت بها الأرواحُ بعد أنيسِها
نَكباءُ تَطَّرِدُ السَّفا وَدَبورُ

دارٌ لهندٍ إذ تهيمُ بِذِكرِها
وإذا الشّبابُ المُستَعارُ نَضيرُ

إذ تَستَبيكَ بِجيدِ آدمَ شادِن
دُرٌّ عَلى لَبّاتِه وَشُذورُ

تلك التي سَبَتِ الفؤادَ فأصبحت
والقلبُ رَهنٌ عندها مأسورُ

لو دَبَّ ذَرُّ فوق ضاحي جلدِها
لَأبانَ مِن آثارهِنَّ حُدورُ

غَراءُ واضحةُ الجبينِ كأنّها
قمرٌ بدا للناظرينَ مُنيرُن

آراء النقاد في شعر عمر بن أبي ربيعة

انتقد البعض عمر بن أبي ربيعة لعدم إحسانه في الغزل، ووصفه الدائم لنفسه، ورأى آخرون أنه لم يحسن وصف المرأة. قيل إنه لم يملك الرقة الموجودة في شعر الشعراء الذين يشكون من أحبائهم، بل كان يصف عاطفة أحبائه تجاهه. يعود هذا النقد إلى المفضل الضبي. كان النقد الحجازي مبنيًا على الصورة المثالية للمرأة.

أخذ عليه “كثير” إيراد المرأة في أشعاره بمظهر لا يناسب حياءها كامرأة. رد ابن أبي عتيق على أبيات لابن أبي ربيعة قائلًا إنه لم ينسب أحد إليه بشيء إنما أنسبه لنفسه، وهذه هي الأبيات:

بينما ينعتني أبصرنني
دون قيد الميل يعدو بي الأَغرْ

قالت الكُبرى: أتعرفن الفتى؟
قالت الوسطى : نعمْ، هذا عمر

قالت الصغرى ، وقد تيّمتها:
قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر!

رفض النقاد الأشعار التي لا تتناسب مع الصورة المثالية للمرأة، وقبلوا ما يوافقها. ومثال هذا النّهج قول الناقد الحجازيّ ابن أبي عتيق في بيت شِّعر لابن أبي ربيعة قال فيه لمحبوبته: “فعدِّي نائلاً وإنْ لم تنيلي”، فقال ابن أبي عتيق فيها إنّها أبيات صادقة تنبع من عاشق حقيقيّ صادق.

نبذة عن حياة عمر بن أبي ربيعة

عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة هو الشاعر القرشي الذي كان يعنى بشعر الغزل. ذكر في كتاب “الأغاني” أن العرب كانوا قد اعترفوا بتقدم قريش في جميع الأمور إلا في الشعر، لكن بعد قدوم ابن أبي ربيعة اعترفوا لهم بالشعر كذلك. أشار الأستاذ الدكتور “يوسف خليف” إلى أن عمر بن أبي ربيعة يعد أكبر شعراء الغزل في تاريخ الأدب العربي، ووصف حياته بأنها كانت مليئة بالحب.

كان أبي ربيعة معروفًا بغناه الكبير، حيث ورث ثروة عن والده التاجر منذ أيام الجاهلية، وعمل على إنمائها حتى تضاعفت. أمه كانت من اليمن، وقامت على رعايته وحدها بعد وفاة زوجها وأشبعته دلالاً. أُغدِق بالعديد من مظاهر الترف والنعيم.

تأثير نشأة عمر بن أبي ربيعة على شعره

عاش عمر بن أبي ربيعة حياته في المدينة، وكان يتمتع بأسباب الترف والجاه، وكان شديد التعلق بالنساء. لم يكن يفوت فرصة لقائهن في الاجتماعات والمنتزهات ورحلات الصيد. انتقل للعيش في مكة واستمر في حياته المليئة باللهو. تمنى لو كان الحج يأتي كل يومين لرؤية النساء. أمضى حياته بمعرفة العديد من المحبوبات، وقال في هذا:

سلام عليها ما أحبّت سلامنا
فإنْ كرهته فالسّلام على أُخرى

تاب في آخر أيامه. قيل إنه عاش أربعين عامًا في الضلالة، وأربعين أخرى في نسك وتوبة. أعتق تسعة عبيد إثر نذر نذره أنّه في كلّ بيت شِعريّ يقوله سيُعتق عبداً. وقد كان لهذه الحادثة أثر كبير في نفسه، فكتب فيها تسعة أبيات لكنّه إيفاءً للنّذر أعتق تسعة عبيد من عنده، ومطلع هذه الأبيات هي:

تقول وليدتي لمّا رأتني
طربتُ، وكنتُ قد أقصرتُ حينا

أراكَ اليوم قد أحدَثْتَ شوقاً
وهاج لك الهوى داءً دفينا

المصادر

  1. دلیلة بوراس (2014)،شعرية السرد عند عمر بن أبي ربيعة، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي، أمّ البواقي، صفحة 29،30،32،37،38،43،44،46،54،56. بتصرّف.
  2. د. صالح محمد حسن أرديني (2011)،”اللون في شعر عمر بن أبي ربيعة”،مجلة التربية والعلم، العدد 3، المجلد 18، صفحة 122،123،127،132. بتصرّف.
  3. د. رفيقة بن رجب (2014)،”أنموذج الجمال في شعر عمر بن أبي ربيعة”،مجلة العلوم الإنسانيّة، العدد 23، صفحة 189،190. بتصرّف.
  4. أ.د. نضال ابراھیم یاسین (2011)،”تقنيات القص الهازل في غزل عمر بن أبي ربيعة”،مجلة آداب البصرة، العدد 55، صفحة 110،111. بتصرّف.
  5. ممدوح محمد الحسن الجزولي (2008)،صورة العصر في شعر عمر بن أبي ربيعة، السودان: جامعة الخرطوم، صفحة 82،83. بتصرّف.
  6. د. إبراهيم علي شكر (2014)،”الصورة الحسية في شعر عمر بن أبي ربيعة”،مجلة كلية التربية الأساسية، العدد 86، المجلد 20، صفحة 1،2. بتصرّف.
  7. د. ابتسام مرهون الصفار، د. ناصر حلاوي (2014)،محاضرات في تاريخ النقد عند العرب(الطبعة 1)، السّعوديّة: دار العطار، صفحة 61،62،63. بتصرّف.
  8. أ. حسن توفيق العدل (2002)،تاريخ آداب اللغة العربية، الأردن: دار أسامة للنشر والتوزيع، صفحة 218. بتصرّف.
  9. د. خليل محمد عودة،صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة(الطبعة 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 5. بتصرّف.
  10. د. فايز محمد (1996)،ديوان عمر بن أبي ربيعة(الطبعة 2)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 8.
Total
0
Shares
المقال السابق

سمات شعر حافظ إبراهيم

المقال التالي

سمات شعر عنترة بن شداد

مقالات مشابهة