مقدمة
تعتبر اللغة العربية زاخرة بالأساليب البلاغية التي تضفي جمالاً ورونقاً على النصوص الأدبية. ومن بين هذه الأساليب، تبرز المحسنات البديعية كأدوات فنية يستخدمها الأديب لإثراء النص وإبراز معانيه بطريقة مبتكرة. في هذه المقالة، سنتناول بالتحليل بعض الزخارف اللفظية في قصيدة “سلوا قلبي” لأحمد شوقي، مع تسليط الضوء على كيفية استخدام هذه المحسنات لخدمة المعنى العام للقصيدة وإبراز جمالياتها.
لمحة عامة عن القصيدة
قصيدة “سلوا قلبي” هي من روائع الشاعر أحمد شوقي، أمير الشعراء. تعبر القصيدة عن تجربة الشاعر في الحياة، وما مر به من أفراح وأحزان، وتأملاته في الدنيا وتقلباتها. يتميز أسلوب شوقي في هذه القصيدة بالجزالة والبيان، واستخدامه المتقن للمحسنات البديعية التي تزيد من جمال القصيدة وتأثيرها في المتلقي. يقول أحمد شوقي في هذه القصيدة:
سَلو قَلبي غَداةَ سلا وَتابا
العَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ
فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَوماً
تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ
هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ وَلّى
وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ ثابا
وَلَو خُلِقَت قُلوبٌ مِن حَديدٍ
لَما حَمَلَت كَما حَمَلَ العَذابا
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِم سُلافاً
وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ
مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى
وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ
إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي
كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى
تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ
وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ تابا
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها
وَتُفنيهِمِ وَما بَرَحَت كَعابافَمَن
يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي
لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ
وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
جَنَيتُ بِرَوضِها وَرداً وَشَوكاً
وَذُقتُ بِكَأسِها شُهداً وَصابافَلَم
أَرَ غَيرَ حُكمِ اللَهِ حُكماً
وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ باباوَلا
عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلّا
صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبِ اللُباباوَلا
كَرَّمتُ إِلّا وَجهَ حُرٍّ
يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغاباوَلَم
أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً
وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابافَلا
تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها
كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَراباوَخُذ
لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخراً
وَأَعطِ اللَهَ حِصَّتَهُ اِحتِسابافَلَو
طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي
وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها اِنتِياباوَأَنَّ
البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ
وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَواباوَأَنَّ
الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ
وَلَم أَرَ خَيِّراً بِالشَرِّ آبافَرِفقاً
بِالبَنينِ إِذا اللَيالي
عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقاباوَلَم
يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى
وَلا اِدَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجاباعَجِبتُ
لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا
عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذاباوَتُلفيهُمْ
حِيالَ المالِ صُمّاً
إِذا داعي الزَكاةِ بِهِم أَهابالَقَد
كَتَموا نَصيبَ اللَهِ مِنهُ
كَأَنَّ اللَهَ لَم يُحصِ النِصاباوَمَن
يَعدِل بِحُبِّ اللَهِ شَيئاً
كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوىً وَخاباأَرادَ
اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرّاً
وَبِالأَيتامِ حُبّاً وَاِرتِبابافَرُبَّ
صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ
سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِراباوَكانَ
لِقَومِهِ نَفعاً وَفَخراً
وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابافَعَلِّم
ما اِستَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً
سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجاباوَلا
تُرهِق شَبابَ الحَيِّ يَأساً
فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابايُريدُ
الخالِقُ الرِزقَ اِشتِراكاً
وَإِن يَكُ خَصَّ أَقواماً وَحابىفَما
حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ
وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصاباوَلَولا
البُخلُ لَم يَهلِك فَريقٌ
عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمُ غِضاباتَعِبتُ
بِأَهلِهِ لَوماً وَقَبلِيدُعاةُ
البِرِّ قَد سَئِموا الخِطاباوَلَو
أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ
فَجَرتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذاباأَلَم
تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى
إِلى الأَكواخِ وَاِختَرَقَ القِباباوَأَنَّ
الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى
حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَباباوَأَنَّ
الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ
وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلاباوَسَوّى
اللَهُ بَينَكُمُ المَنايا
وَوَسَّدَكُم مَعَ الرُسلِ التُراباوَأَرسَلَ
عائِلاً مِنكُم يَتيماً
دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابانَبِيُّ
البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً
وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعاباتَفَرَّقَ
بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ
فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُم مَتاباوَشافي
النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ
كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئاباوَكانَ
بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً
وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غاباوَعَلَّمَنا
بِناءَ المَجدِ حَتّى
أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصاباوَما
نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلاباوَما
اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ
إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكاباتَجَلّى
مَولِدُ الهادي وَعَمَّت
بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصاباوَأَسدَت
لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ
يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابالَقَد
وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً
كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابافَقامَ
عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً
يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقاباوَضاعَتيَثرِبُ
الفَيحاءُ مِسكاً
وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطاباأَبا
الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدريبِمَدحِكَ
بَيدَ أَنَّ لِيَ اِنتِسابافَما
عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ
إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابامَدَحتُ
المالِكينَ فَزِدتُ قَدراً
فَحينَ مَدَحتُكَ اِقتَدتُ السَحاباسَأَلتُ
اللَهَ في أَبناءِ ديني
فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجاباوَما
لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ
إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَناباكَأَنَّ
النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِم
أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُراباوَلَو
حَفَظوا سَبيلَكَ كان نوراً
وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُم حِجابابَنَيتَ
لَهُم مِنَ الأَخلاقِ رُكناً
فَخانوا الرُكنَ فَاِنهَدَمَ اِضطِراباوَكانَ
جَنابُهُم فيها مَهيباً
وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابافَلَولاها
لَساوى اللَيثُ ذِئباً
وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابافَإِن
قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ
تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعاباوَفي هَذا
الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ
يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَبابا
دراسة للجماليات البلاغية
في هذا الجزء، سنقوم بتفصيل الزخارف البديعية التي استخدمها الشاعر في قصيدته، مع ذكر أمثلة من الأبيات وشرح لطريقة توظيفها.
الأبيات من (1-5)
البيت الأول: سلوا قلبي غداةَ سلا وتابا العلّ على الجمالِ لهُ عِتابا
- هناك جناس غير تام في بين كلمتي (تابا) و(عِتابا).
الأبيات من (6-10)
البيت السّادس: وَلَوْ خُلِقتْ قُلوبٌ من حديدٍ لما حَملتْ كما حمل العَذابا
- يوجد طباق سلب بين كلمتي (ما حملتْ) و(حملَ).
البيت السابع: وأحبابٍ سُقيتُ بهم سُلافًا وكان الوصلُ من قصرٍ حَبابا
- يظهر ردّ العجز على الصّدر (التصدير) بين كلمتي (أحبابٍ) و(حَبابا).
الأبيات من (11-15)
البيت الثالث عشر: وأنّ الرُّقطَ أيقظُ هاجعاتٍ وأترعُ في ظلال السّلمِ تابا.
- يتجلى طباق إيجاب بين كلمتي (أيقظ) و(هاجعاتٍ).
البيت الخامس عشر: فمنْ يغترُّ بالدّنيا فإنّي لَبِسْتُ بها فَأبلَيْتُ الثِّيابا
- يظهر طباق إيجاب بين كلمتي (لبستُ) و(أبليْتُ).
الأبيات من (16-20)
البيت السابع عشر: جَنَيْتُ بِرَوضِها وردًا وشوكًا وذُقتُ بكأسها شَهْدًا وصابا
- هناك طباق إيجاب بين كلمتي (وردًا) و(شوكًا).
- وهناك طباق إيجاب بين كلمتي (شهدًا) و(صابا).
الأبيات من (21-25)
البيت الثالث والعشرون: وخُذْ لبنيكَ والأيّامِ ذُخْرًا وأعْطِ اللهَ حُصّتهُ احْتِسابا
- يوجد طباق إيجاب بين كلمتي (خُذْ) و(أَعْطِ).
الأبيات من (26-30)
البيت السادس والعشرون: وأنَّ الشّرَّ يصدَعُ فاعليهِ ولمْ أرَ خيّرًا بالشّرِّ آبا.
- يظهر طباق إيجاب بين كلمتي (خيّرًا) و(الشّرّ).
البيت السابع والعشرون: فَرِفْقًا بالبنين إذا الليالي على الأعقابِ أوقعتِ العِقابا.
- يتجلى ردّ العجز على الصّدر (التصدير) في الشطر الثاني بين كلمتي (الأعقاب) و(العقابا) .
الأبيات من (31-35)
البيت الحادي والثلاثون: لقد كَتَموا نَصيبَ اللهِ مِنهُ كأنَّ اللهَ لم يُحْصِ النِّصابا.
- يوجد ردّ العجز على الصّدر (التصدير) بين كلمتي (نصيب) و(نِصابا).
البيت الرّابع والثلاثون: فَرُبَّ صغيرِ قومٍ عَلّموهُ سما وحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا.
- هناك جناس ناقص (غير تامّ) بين كلمتي (سما) و(حمى).
البيت الخامس والثلاثون : وكانَ لِقَومِهِ نفعًا وفَخْرًا ولوْ تَرَكُوهُ كانَ أذًى وعَابا.
- يوجد طباق إيجاب بين كلمتي (نفعًا) و(أذًى).
- وهناك طباق إيجاب بين كلمتي (فخرًا) و (عَابا).
الأبيات من (36-40)
البيت السابع والثلاثون: ولا تُرهِقْ شَبابَ الحيِّ يأْسًا فإنّ اليأسَ يخترمُ الشّبابا.
- يظهر ردّ العجز على الصّدر بين كلمتي (شباب) و(الشّبابا).
الأبيات من (61-65)
البيت الثاني والسّتون : مَدَحْتُ المالِكَيْنِ فَزِدْتُ قَدْرًا فحينَ مَدَحْتُكَ اقْتَدْتُ السحابا.
- هناك ردّ العجز على الصّدر بين كلمتي (مَدَحْتُ ) و(مَدَحْتُكَ).
الأبيات من (66-70)
البيت السابع والستون: بَنَيْتَ لهُمْ منَ الأخلاقِ رُكْنًا فَخانوا الرُّكْنَ فانهَدَمَ اضطِرابا.
- يوجد طباق إيجاب بين كلمتي (بَنَيْتَ) و(انهَدَمَ).
البيت الثامن والستون: وكانَ جَنابُهمْ فيها مَهيبًا ولَلْأخلاقُ أجدرُ أنُ تُهابا.
- يظهر ردّ العجز على الصّدر بين كلمتي (مَهيبًا) و(تُهابا).
المراجع
- أحمد شوقي (25/1/2022)،”سلوا قلبي غداة سلا وتابا”،الديوان، تم الاطلاع عليه بتاريخ 25/1/2022.
- عبد العزيز عتيق، كتاب علم البديع، صفحة 76.