الزخارف اللفظية في قصيدة أرق على أرق

استكشاف الزخارف اللفظية في قصيدة أرق على أرق للمتنبي، يشمل الجناس، الطباق، الترادف، التصريع، والتوازن بين العبارات.

تمهيد حول الزخارف اللفظية في قصيدة أرق على أرق

تعتبر قصيدة “أرق على أرق” للمتنبي من عيون الشعر العربي، لما تحمله من معاني عميقة وصياغة بديعة. تتجلى جمالية هذه القصيدة في استخدام الشاعر للعديد من الزخارف اللفظية التي تضفي عليها رونقًا خاصًا وتأثيرًا قويًا في نفس القارئ. هذه الزخارف لا تقتصر على تزيين النص فحسب، بل تعزز المعنى وتعمقه، وتجعل القصيدة أكثر تأثيرًا وخلودًا.

يقول المتنبي:

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ
وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ
جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ
ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ
إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ
جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي
نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ
وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ
فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني
عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا
أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ
أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ
نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ
جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا
أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى
كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا
مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ
حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ
خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا
أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ
وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ
وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ
وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي
مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ
حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ
حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ
أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا
فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ
كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت
مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ
وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم
مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ
وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ
لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ
مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها
وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ
أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا
لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ
لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ
أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ
يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ
أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ
أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً
وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ
كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ
ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ

استخدامات الجناس في القصيدة

يعتبر الجناس من أبرز المحسنات البديعية التي استخدمها المتنبي في قصيدته. وهو عبارة عن تشابه كلمتين أو أكثر في اللفظ مع اختلافهما في المعنى، مما يخلق نغمًا موسيقيًا وتأثيرًا جماليًا. من أمثلة الجناس في القصيدة:

  • في قوله: “أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ” نجد جناسًا ناقصًا بين كلمتي “أرق” و “تترقرق”.
  • في قوله: “جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ” يوجد جناس ناقص بين كلمتي “الهوى” و “الغضى”.
  • في قوله: “وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا” هناك جناس ناقص بين “عذلت” و “عذرتهم” وكذلك بين “عذرتهم” و “عيرتهم”.
  • في قوله: “أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا” يظهر جناس ناقص بين “كنزوا” و “الكنوز”.
  • في قوله: “وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ” نجد جناس ناقص بين “النفوس” و “نفائس”.
  • في قوله: “وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ” هناك جناس ناقص بين “الشيب” و “الشبيبة”.
  • في قوله: “مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّهاوَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ” هناك جناس ناقص بين “مسكية” و “وحشية”.

توظيف الطباق في القصيدة

الطباق هو الجمع بين كلمتين متضادتين في المعنى، وهو من الأساليب البلاغية التي تزيد النص قوة وجمالًا. استخدم المتنبي الطباق في قصيدته لإبراز التناقضات وتوضيح المعاني. من أمثلة الطباق في القصيدة:

  • في قوله: “وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ” يوجد طباق سلب بين “العشق” و “لا يعشق”.
  • في قوله: “نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا” هناك طباق إيجاب بين “جمعتهم” و “يتفرقوا”.
  • في قوله: “خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ” يوجد طباق إيجاب بين “خرس” و “الكلام”.
  • في قوله: “وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ” هناك طباق إيجاب بين “الشيب” و “الشبيبة”.
  • في قوله: “يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ” يوجد طباق إيجاب بين “يهب” و “يأخذه”.
  • في قوله: “كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ” هناك طباق إيجاب بين “مات” و “حي”.

أثر الترادف في بناء المعنى

الترادف هو استخدام كلمتين أو أكثر تحملان نفس المعنى أو معنى قريب، وذلك لإغناء النص وتأكيد المعنى. وقد وظف المتنبي الترادف في قصيدته لإضفاء المزيد من العمق والتأثير. من أمثلة الترادف في القصيدة:

  • في قوله: “أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا” نجد ترادفًا بين “الأكاسرة” و “الجبابرة”.
  • في قوله: “وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ” هناك ترادف بين “طيب” و “روائح”.
  • في قوله: “يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ” يوجد ترادف بين “يهب” و “أتصدق”.

التصريع وأهميته في مطلع القصيدة

التصريع هو اتفاق نهاية الشطر الأول مع نهاية الشطر الثاني في البيت الأول من القصيدة في الحرف الأخير والحركة. يعتبر التصريع من المحسنات البديعية التي تضفي على القصيدة جمالًا موسيقيًا خاصًا وتجذب انتباه القارئ. وقد استخدم المتنبي التصريع في مطلع قصيدته:

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ
وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

فقد انتهى الشطران بقاف مضمومة “يأرقُ – تترقرقُ”.

التوازن اللفظي وأثره في القصيدة

التوازن بين العبارات هو تقارب الجمل في الطول والتركيب، مما يخلق إيقاعًا موسيقيًا وتأثيرًا جماليًا. وقد استخدم المتنبي التوازن بين العبارات في قصيدته لزيادة الانسجام والتناغم. من أمثلة التوازن بين العبارات في القصيدة:

  • في قوله: “جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ” نجد توازنًا بين “عين مسهدة” و “قلب يخفق”.
  • في قوله: “ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ” هناك توازن بين “لاح برق” و “ترنم طائر”.
  • في قوله: “وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ” يوجد توازن بين “الموت آت” و “النفوس نفائس”.
  • في قوله: “وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ” هناك توازن بين “المرء يأمل” و “الحياة شهية” و “الشيب أوقر” و “الشبيبة أنزق”.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الزخارف البديعية في قصيدة أراك عصي الدمع

المقال التالي

الجماليات اللغوية في قصيدة إرادة الحياة

مقالات مشابهة