أوجه التحسين اللغوي في القصيدة
تزخر القصائد العربية القديمة بالعديد من التقنيات اللغوية التي تهدف إلى تجميل النص وإبراز قوته وبلاغته. تختلف كثافة استخدام هذه التقنيات من عصر إلى آخر، وذلك تبعاً لذوق أهل العصر وأساليبهم في التعبير. وفي معلقة عنترة بن شداد، نجد أمثلة بارزة لهذه التقنيات، والتي تساهم في إضفاء جمالية خاصة على القصيدة.
التصريع
التصريع هو توافق نهاية الشطر الأول مع نهاية الشطر الثاني في البيت الأول من القصيدة. ويعتبر من المحسنات البديعية اللفظية التي تعطي جرساً موسيقياً للبيت، وتزيد من تأثيره في نفس السامع. ومن الأمثلة على التصريع في معلقة عنترة:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
في هذا البيت، تتفق كلمتا “متردم” و “توهم” في الحرف الأخير، مما يخلق هذا التطابق نغمة مميزة.
الجناس
الجناس هو تشابه كلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى. وله أنواع، منها الجناس التام والجناس الناقص. وفي معلقة عنترة، نجد مثالاً على الجناس الناقص في البيت التالي:
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
الكلمتان “تكلمي” و “اسلمي” تتشابهان في معظم الحروف، ولكنهما تختلفان في المعنى، مما يجعل هذا المثال جناساً ناقصاً.
السجع
السجع هو توافق أواخر الكلمات في الفواصل أو الجمل في الحرف الأخير. وهو من المحسنات البديعية التي تضفي على النص نغماً موسيقياً محبباً. وفي معلقة عنترة، تظهر أمثلة للسجع في الأبيات التالية:
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
في هذه الأبيات، تتفق الكلمات الأخيرة في الحرف الأخير (“اسلمي”، “المتلوم”، “المتثلم”، “الهيثم”)، مما يخلق هذا التوافق نغمة موسيقية مميزة.
الترادف
الترادف هو استخدام كلمتين أو أكثر لهما نفس المعنى أو معنى قريب جداً. ويهدف الترادف إلى توكيد المعنى وإبرازه بشكل أوضح. وفي معلقة عنترة، نجد مثالاً على الترادف في البيت التالي:
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
الكلمتان “أقوى” و “أقفر” تحملان نفس المعنى تقريباً، وهو الخراب واليباب.
المقابلة
المقابلة هي الجمع بين معنيين متضادين أو أكثر في الكلام. وتهدف المقابلة إلى إبراز المعنى وتوضيحه عن طريق التضاد. وفي معلقة عنترة، نجد مثالاً على المقابلة في البيت التالي:
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
في هذا البيت، هناك مقابلة بين حياة عبلة المرفهة (“تمسي وتصبح فوق ظهر حشية”) وحياة عنترة القاسية (“وأبيت فوق سراة أدهم ملجم”). كما يوجد طباق بين كلمتي “تمسي وتصبح” وكلمة “أبيت”.
نبذة عن معلقة عنترة
تعتبر معلقة عنترة بن شداد من أشهر القصائد العربية في العصر الجاهلي. وقد نالت هذه القصيدة شهرة واسعة لما تتميز به من قوة في التعبير، وجمال في التصوير، ووصف دقيق للحياة البدوية، بالإضافة إلى الفخر والشجاعة والحب العذري. تبدأ القصيدة بالوقوف على الأطلال وتذكر الحبيبة عبلة، ثم ينتقل الشاعر إلى وصف قوته وشجاعته في المعارك، وختاماً يعود إلى ذكر عبلة والتغزل بها.
يقول عنترة في مطلع معلقته:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ
عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ
وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ
أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ
تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِي
يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ
شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ
وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها الوَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ
هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ
بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّما بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِي
يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ
إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ
أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ
وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ
وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَما رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ
بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ
فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي