مدخل إلى القصيدة
تعتبر قصيدة “أراك عصي الدمع” من أشهر روائع الشعر العربي، نظمها الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني أثناء أسره. تُعرف هذه الفترة من حياته وما كتبه فيها بـ “الروميات”. القصيدة مكتوبة على بحر الطويل، وتتميز بجمال لغتها وعمق معانيها. تبدأ القصيدة بالبيتين التاليين:
أَراكَ عَصِيَّ الدَّمعِ شِيمَتُ الصَّبرُ
أَمَا للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لَوعةٌ
ولكنَّ مِثلي لا يُذاعُ لهُ سرُّ!
هذا المقال سيسعى إلى إلقاء الضوء على أبرز الزخارف البديعية التي تزين هذه القصيدة، والتي أضفت عليها جمالاً وروعة. سنستعرض أنواع المحسنات البديعية المستخدمة، مع أمثلة من القصيدة نفسها.
نظرة على الزخارف اللفظية في القصيدة
استخدم أبو فراس الحمداني في قصيدته “أراك عصي الدمع” مجموعة متنوعة من الزخارف البديعية، التي ساهمت في إبراز جمال القصيدة وقوتها التعبيرية. من بين هذه المحسنات: الطباق (التضاد)، ورد الصدر على العجز، والجناس، والسجع.
التضاد في المعنى
الطباق هو الجمع بين الكلمة وضدها في النص، وهو نوعان: طباق الإيجاب وطباق السلب. وقد وظف أبو فراس الحمداني هذا الأسلوب ببراعة في قصيدته. إليكم بعض الأمثلة:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟
(نهي، وأمر)
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر.
(أذللت، والكبر)
تُسائِلُني من أنت؟ وهي عليمة
وهل بفتى مثلي على حاله نكر.
(عليمة، ونكر)
وتهلك بين الهزل والجد مهجة
إذا ما عداها البين عذبها الهجر.
(الهزل، والجد)
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى
ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر.
(الغنى، والفقر)
فأظمأ حتى ترتوي البيض والقنا
وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر.
(أظمأ، وترتوي)، (أسغب، ويشبع)
حفظت وضيعت المودة بيننا
وأحسن من بعض الوفاء لك الغدر.
(حفظت، وضيعت)، (الوفاء، والغدر)
فإن كان ما قال الوشاة ولم يكن
فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر.
(كان، ولم يكن، مثال على الطباق السلب)، (الإيمان، والكفر)، (يهدم، وشيد)
فإن عشت فالطعن الذي يعرفونه
وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإن مت فالإنسان لا بد ميت
وإن طالت الأيام وانفسح العمر.
(عشت، مت).
تكرار الكلمة في نفس البيت
رد الصدر على العجز هو تكرار الشاعر للفظة بنفس المعنى في البيت الشعري الواحد، وهو ما يضفي على البيت جرساً موسيقياً مميزاً. ومثال ذلك:
فقلت لقد أزرى بك الدهر بعدنا
فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
(تكرار لفظة الدهر)
المشابهة في النطق
الجناس هو تشابه كلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى.
فعدت إلى حكم الزمان وحكمه
لها الذئب لا تجزى به ولي العذر
كأني أنادي دون ميثاء ظبية
على شرف ظمياء جللها الذعر
(هنا جناس ناقص في كلمتي (العذر والذعر)
ولا تنكريني إنني غير منكر
إذا زلت الأقدام، واستزل النضر
وإني لجرار لكل كتيبة
معودة أن لا يخل بها النصر
(هنا جناس ناقص في كلمتي (النضر والنصر)
تجفل حيناً ثم تدنو كأنما
تنادي طلا، بالواد أعجزه الحضر
فلا تنكريني، يابنة العم إنه
ليعرف من أنكرته البدو والحضر
(هنا جناس تام في كلمة الحضر، حيث الأول معناها الركض، والثانية الحاضرة عكس البدو)
وما حاجتي بالمال أبغي وفوره
إذا لم أفر عرضي فلا وفر الوفر
(الجناس هنا أتى في تقارب نوع الحروف في الكلمات المخطوط تحتها)
التوافق في الحرف الأخير
السجع هو توافق الفاصلتين (نهاية الجملتين) في الحرف الأخير.
كأني أنادي دون ميثاء ظبية
على شرف ظمياء جللها الذعر
(جاء السجع في كلمتي (ميثاء وظمياء)
بنفسي من الغادين في الحي غادة
هواي لها ذنب وبهجتها عذر
تروغ إلى الواشين فيّ وإن لي
لأذناً بها عن كل واشية وقر
(السجع هنا في كلمتي (الغادين والواشين))
وإني لجرار لكل كتيبة
معودة أن لا يخل بها النصر
وإني لنزال بكل مخوفة
كثير إلى نزالها النظر الشزر
(والسجع يظهر في كلمتي (لجرار ولنزال))
خلاصة القول
في الختام، يمكن القول إن قصيدة “أراك عصي الدمع” تعتبر تحفة فنية لما تحويه من جماليات لغوية وبديعية، وقد استطاع أبو فراس الحمداني ببراعة توظيف هذه المحسنات لخدمة المعنى وإبراز جمال الشعر.