الروحانية في الحقبة الأندلسية: نظرة عامة

استكشاف جذور الروحانية في الأندلس، أبرز أعلامها، مثل محيي الدين بن عربي وأبو الحسن الششتري، وتعريف الروحانية وأبعادها المختلفة.

جذور الروحانية في الأندلس

شهدت الأندلس تنوعًا مذهبيًا واسعًا، إلا أن المذهب المالكي كان الأكثر انتشارًا خلال فترة حكم دولة غرناطة. اللافت للنظر هو ميل حكام غرناطة في تلك الفترة إلى الزهد والتقشف. كان الحاكم يُمدح ويُثنى عليه بقدر ما يتحلى به من زهد، وتواضع في الملبس والمظهر. تشير المصادر التاريخية إلى أن سلاطين مثل محمد الأول ومحمد الثاني ومحمد الخامس تميزوا بالصلاح والعدل والزهد، وهي صفات جوهرية في النهج الروحاني.

لم يقتصر هذا التوجه الروحاني على الحكام فقط، بل امتد ليشمل مختلف فئات المجتمع. تشكلت بذلك طبقة اجتماعية متميزة عُرفت بالصوفية، والتي لعبت دورًا فاعلًا في الدولة. مارست هذه الجماعات أنشطتها في أماكن خاصة بها، عُرفت بالزوايا والأربطة. كانت الحياة في هذه الأماكن تقوم على الزهد، والتعبد، والحراسة، والتصوف. من بين هذه الأربطة، اشتهرت “رابطة العقاب” التي سكنها المتصوف الشهير علي بن عبدالله النميري الششتري، والذي وصفه ابن الخطيب بأنه “عروس الفقراء وبركة الأندلس وأمير المتجردين”.

شخصيات بارزة في عالم الروحانية الأندلسي

برز في الأندلس عدد كبير من الشخصيات الروحانية التي ذاع صيتها في المشرق والمغرب، ولا تزال أعمالهم حاضرة حتى اليوم. من بين هؤلاء:

  • محيي الدين بن عربي
  • أبو الحسن الششتري

محيي الدين بن عربي: سيرة ذاتية

هو محمد بن علي بن محمد، المعروف بمحيي الدين بن عربي. ولد في مدينة مرسية بالأندلس عام 560 هـ (1164 م). يعود أصله إلى قبيلة طيء العربية من جهة الأب، وإلى الأمازيغ من شمال إفريقيا من جهة الأم. نشأ في أسرة متدينة، وكان والده من أئمة الفقه، وعمل في خدمة السلطان.

ترعرع ابن عربي في كنف والده وفي بلاط الحاكم، حياة تميزت بالرغد والرفاهية. على الرغم من ذلك، آثر التنقل والترحال، استجابة لرؤى وأحلام دعته إلى ذلك. استمرت رحلته أكثر من 23 عامًا، حتى استقر في دمشق.

ترك ابن العربي أكثر من 800 مؤلف في الشعر والفلسفة والفقه، لم يبق منها سوى حوالي 100 مؤلف. تُرجمت كتاباته إلى الفارسية والتركية والأوردية، وانتشرت بين مختلف طبقات المجتمع في ظل انتشار الروحانية.

أبو الحسن الششتري: نبذة عن حياته

هو علي أبو الحسن النميري الششتري، ونسبته إلى قرية ششتر الصغيرة في الأندلس. ولد في أوائل القرن السابع الهجري، لعائلة ميسورة الحال، ينتمي بعض أفرادها إلى كبار رجال الدولة.

ترك الششتري حياة الغنى والرفاهية، واختار الزهد والروحانية. قال عنه أحد الأدباء الأندلسيين: “كان من الأمراء وأولاد الأمراء، فصار من الفقراء وأولاد الفقراء”.

ترك الششتري تراثاً كبيراً وغنياً من المؤلفات كان من أشهرها كتابه المعنون بالمقاليد الوجودية في أسرار الصوفية.[٣]

ما المقصود بالروحانية؟

تعددت تعريفات الروحانية بين العلماء، واتفقت وتعارضت في بعض الأحيان. من بين هذه التعريفات:

  • قال معروف الكرخي: “التصوف هو الأخذ بالحقائق، واليأس ممَّا في أيدي الخلائق.”
  • وعرَّفه الجنيد بقوله: “التصوف، تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الربَّانية، والتعلق بعلوم الحقيقة، واتّباع الرسول في الشريعة.”
  • أما تعريف الروحانية عند غير المتصوفة، فقد قال فيه الدكتور إبراهيم هلال: “رغم كثرة التعريفات التي عرف بها التصوف الإسلامي في كتب التصوف وغيرها فإننا نستطيع أن نقول إن التصوف كما يراه الصوفية في عمومه هو السير في طريق الزهد، والتجرد عن زينة الحياة وشكلياتها وأخذ النفس بأسلوب من التقشف وأنواع من العبادة والأوراد والجوع والسهر في صلاة أو تلاوة ورد.”

المصادر والمراجع

  1. فاطمة محيسن، أثر التصوف في عصر بني الأحمر، صفحة 15. بتصرّف.
  2. “من هو ابن عربي ؟”، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 12/4/2022. بتصرّف.
  3. هند جعفر، “أبو الحسن الششتري”، الأهرام. بتصرّف.
  4. الدرر السنية، “التصوف اصطلاحاً”، الدرر السنية. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

ترتيب FIFA للمنتخبات الوطنية: نظرة على عام 2021

المقال التالي

الخصائص التضاريسية للعالم العربي

مقالات مشابهة