مقدمة
الهجرة النبوية الشريفة، الانتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة (التي كانت تُعرف بيثرب)، كانت منعطفًا حاسمًا في مسيرة الدعوة الإسلامية. جاءت الهجرة استجابة للظروف الصعبة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في مكة، حيث ازداد الأذى والاضطهاد من قبل المشركين الذين رفضوا دعوته و سعوا لعرقلة انتشار الإسلام بكل السبل. رغم كل التحديات، استمر الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، راجيًا لهم الهداية والخلاص من عبادة الأوثان. هذا المقال سيتناول الأحداث التي سبقت الهجرة، وكيف تمت، والنتائج العظيمة التي ترتبت عليها.
الأوضاع قبيل الهجرة
عندما رأى زعماء قريش أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بدأت تنتشر على الرغم من محاولاتهم المستمرة لإخمادها، اجتمعوا في دار الندوة للتخطيط لقتله، ظنًا منهم أن ذلك سيوقف انتشار الإسلام. ولكن الله سبحانه وتعالى حفظ نبيه وأوحى إليه بالهجرة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته في جنح الليل، بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، متوجهًا إلى المدينة المنورة.
في طريق الهجرة، مكث النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في غار ثور لمدة ثلاث ليالٍ، وذلك لإبعاد الأنظار وتضليل المشركين الذين كانوا يبحثون عنهما بكل قوة. وقد رصدت قريش مكافآت كبيرة لمن يعثر على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلمه إليهم.
في هذا الصدد ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال أبو بكر رضي الله عنه: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا. فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما”.
لاحق سراقة بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم طمعًا في المكافأة، ولكن الله أظهر له معجزة عظيمة، حيث غاصت قوائم فرسه في الأرض كلما اقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم محفوف برعاية الله وعنايته، وعاد إلى مكة خائبًا.
نتائج الهجرة المباركة
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وسط استقبال حافل من الأنصار، الذين بايعوه على النصرة والحماية. وقد استقبلوه استقبال الفاتحين، تعبيرًا عن فرحتهم بقدومه ورغبتهم في نصرة دعوته.
بعد وصوله إلى المدينة، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أسس الدولة الإسلامية، فبنى المسجد النبوي، الذي أصبح مركزًا للعبادة والتعليم والشورى. كما وضع دستورًا للمدينة ينظم العلاقات بين مختلف فئات المجتمع، ويحفظ الحقوق ويصون الكرامات.
كانت الهجرة النبوية استكمالًا لسنة الأنبياء السابقين، الذين هاجروا من ديارهم لنصرة دين الله. وقد ترتب على الهجرة نتائج عظيمة، منها: انتشار الإسلام، وتأسيس دولة قوية، وتوحيد المسلمين، وتحقيق العدل والمساواة في المجتمع.
وفي القرآن الكريم إشارة إلى أهمية الهجرة في سبيل الله، حيث قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الحج: 58].
وقوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: 8].