مقدمة
شهر شعبان هو شهر يسبق شهر رمضان المبارك، وله مكانة خاصة في قلوب المسلمين. يتساءل الكثيرون عن الحكم الشرعي لصيام هذا الشهر الفضيل، وما هي الآراء الفقهية المختلفة حول هذه المسألة. يهدف هذا المقال إلى توضيح هذه الأحكام وبيان أقوال العلماء فيها.
رأي المذاهب الفقهية في صيام شعبان
تباينت آراء الفقهاء في حكم صيام شهر شعبان، وسنعرض فيما يلي تفصيل لهذه الآراء:
- الحنفية: يرون أن صيام شهر شعبان مباح ومستحب، كونه أفضل صيام التطوع بعد الفريضة. استدلوا بحديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-:(سُئل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّ الصَّومِ أفضلُ بعد رمضانَ قال: شعبانُ لتعظيمِ رمضانَ، قال: فأيُّ الصَّدقةِ أفضلُ ؟، قال: صدقةٌ في رمضانَ). وروى أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال:(يا رسولَ اللَّهِ! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).
- المالكية: ذهبوا إلى استحباب صيام شهر شعبان اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يصوم أكثره. استدلوا بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:(ما صام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شهرًا قطُّ كاملًا إلَّا رمضانَ، ولا أفطَر شهرًا كاملًا قطُّ، وما كان يصومُ شهرًا أكثَرَ ممَّا كان يصومُ في شعبانَ).
- الشافعية: يعتبرون صيام شعبان من السنن التي حث عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، مستدلين بأنه كان يصوم أغلب الشهر.
- الحنابلة: يرون أن صيام التطوع في شهر شعبان أفضل من غيره من الأشهر، وذلك لقربه من شهر رمضان. ومع ذلك، يستحبون عدم صيام الشهر كله، اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
حكم الصيام في النصف الثاني من شعبان
اختلف الفقهاء في حكم صيام النصف الثاني من شهر شعبان، وفيما يلي تفصيل لآرائهم:
- الحنفية: أجازوا الصيام بعد منتصف شهر شعبان دون كراهة، مستدلين بحديث عائشة -رضي الله عنها-:(كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يَصومَهُ: شعبانُ، ثمَّ يصلُهُ برمضانَ). أما حديث النهي عن الصيام بعد منتصف شعبان:(لا صومَ بعدَ النِّصفِ مِن شعبانَ حتَّى يجيءَ شهرُ رمضانَ), فقد فسروه بأنه خشية إضعاف المسلمين قبل رمضان. واجازوا الصيام تطوعا مستدلين بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صيام نبيّ الله داود -عليه السلام-:(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا).
- المالكية: يرون جواز الصيام في النصف الثاني من شعبان، اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
- الشافعية: ذهبوا إلى كراهة صيام النصف الثاني من شهر شعبان، إلا إذا كان هناك عذر شرعي كقضاء أو نذر، أو إذا وصله بما قبله.
- الحنابلة: أجازوا الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان.
أهمية صيام التطوع
صيام التطوع من العبادات العظيمة التي يتقرب بها المسلم إلى الله -عز وجل- بعد الفرائض. وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:(مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا). صيام التطوع يقوي صلة العبد بربه ويزيد من قبوله ومحبته عند الله -تعالى-. إنه يرفع همة المسلم في الطاعات ويمنعه عن الوقوع في المعاصي.