الرأي الشرعي في زواج الفتيات الصغيرات

استكشاف آراء الفقهاء حول زواج الفتيات قبل بلوغ الثامنة عشرة. نظرة على أدلة المؤيدين والمعارضين، وتوضيح أسباب اختلاف وجهات النظر في هذه القضية الحساسة.

مقدمة حول الزواج المبكر

عند النظر في أي مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية، لا بد من توافر شروط أساسية لإصدار حكم شرعي صحيح. أحد هذه الشروط هو الفهم الدقيق للمسألة المطروحة، حيث أن “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”. لذا، يجب أولاً تعريف المصطلحات المستخدمة، مثل مصطلح “الفتيات الصغيرات”، ومن ثم تطبيقها على الأحكام الفقهية.

لقد تباينت آراء الفقهاء حول مسألة زواج الفتيات الصغيرات. بعض الفقهاء المؤيدين لهذا الزواج وضعوا شروطاً لإتمامه، مثل أن يكون في هذا الزواج مصلحة للفتاة، وأن تتزوج من رجل صالح يرعاها ويعاملها بالحسنى. أما الفقهاء المعارضون، فلهم حججهم وأسبابهم التي سيتم ذكرها لاحقاً.

حجج الموافقين على زواج الفتيات قبل الثامنة عشرة

يستند المؤيدون لزواج الفتيات قبل سن الثامنة عشرة إلى عدة أدلة، منها:

  • القرآن الكريم

    قال تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). (سورة الطلاق، الآية 4)

    تشير هذه الآية إلى أن عدة المرأة التي انقطع حيضها، وكذلك عدة الفتاة التي لم تحض بعد، هي ثلاثة أشهر، وهو ما يمكن أن يفهم منه جواز زواج الفتاة قبل البلوغ.

  • السنة النبوية

    عن عائشة أم المؤمنين قالت: (تَزَوَّجَنِي رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- في شَوَّالٍ، وَبَنَى بي في شَوَّالٍ، فأيُّ نِسَاءِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- كانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ قالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا في شَوَّالٍ). (رواه مسلم)

  • الإجماع

    أجمع الفقهاء على جواز تزويج الأب لابنته الصغيرة.

  • عمل الصحابة

    تشير كتب السيرة والتاريخ إلى شيوع الزواج المبكر في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولم يُنقل أن أحداً منهم أنكر ذلك. ويرى أصحاب هذا الرأي أن تحديد سن معينة للزواج أمر غير منطقي، نظراً لاختلاف سن البلوغ والنضج بين الفتيات باختلاف طبيعة أجسامهن، والبيئة المحيطة بهن، والظروف الاجتماعية والاقتصادية.

حجج المعارضين لزواج الفتيات قبل الثامنة عشرة

يستند المعارضون لزواج الفتيات قبل سن الثامنة عشرة إلى عدة أدلة، منها:

  • القرآن الكريم

    قال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ). (سورة النساء، الآية 6)

  • السنة النبوية

    خطب أبو بكرٍ وعمرُ -رضِيَ اللهُ عنهما- فاطمةَ، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: (إنها صغيرةٌ)، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه.

  • المصلحة العامة

    يرى أصحاب هذا الرأي أن الهدف من التشريع الإسلامي هو جلب المصالح ودرء المفاسد. تحديد سن معينة للزواج يحقق مصلحة للزوجين، حيث يكونان قد بلغا سناً من النضج والوعي، واكتسبا مهارات حياتية أكثر، مما يؤهلهما لتحمل مسؤولية الزواج وتكوين أسرة.

أسباب اختلاف الآراء حول زواج القاصرات

يعود اختلاف الآراء في مسألة زواج الفتيات الصغيرات إلى عدة أسباب، منها:

  • فهم معنى البلوغ

    يختلف الفقهاء في تفسير معنى البلوغ. بعضهم يرى أنه العلامات الجسدية الظاهرة، مثل الحيض للأنثى والاحتلام للذكر.

  • اشتراط البلوغ في الزواج

    من لم يشترط البلوغ في الزواج، أجاز زواج الصغيرات. أما من اشترط البلوغ، فلا يجيز زواج الفتيات قبل بلوغهن.

  • زواج النبي من عائشة

    هناك اختلاف في تفسير زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها. هل هو حكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أم حكم عام يشرع للأمة الإسلامية؟

توضيح مفهوم القاصر

القاصر هو الشخص الذي لم يبلغ السن القانونية التي تخوله التصرف في شؤونه المالية والقانونية. وفي الاصطلاح القانوني، يشمل القاصر من لم يبلغ سن الرشد، أو من فقد أهليته القانونية بسبب عارض من عوارض الأهلية، كالحجر عليه أو الجنون. وقد حددت الاتفاقيات الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة سن الثامنة عشرة كحد فاصل بين الطفولة والرشد، ويترتب على ذلك منع الزواج قبل هذا السن.

المراجع

  1. أبتصالح شقيرات (2019)، زواج القاصرات بين الشرع والقانون بحث في مجلة جامعة الشارقة، صفحة 137- 138، جزء 16. بتصرّف.
  2. سورة الطلاق، آية:4
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1423، صحيح.
  4. “معنى قاصر”، المعاني. بتصرّف.
  5. اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، ورقة تقييم البدائل والحلول، صفحة 9. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

الرأي الشرعي في زواج المملوك بالمرأة الحرة

المقال التالي

نظرة في أحكام الزواج من أهل الكتاب والمشركات

مقالات مشابهة