مقدمة
تعتبر الصلاة عمود الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد فرضها الله تعالى على كل مسلم بالغ عاقل. ومع ذلك، فقد خفف الله سبحانه وتعالى عن المسافر، ومنحه رخصًا تسهل عليه أداء هذه الفريضة، ومن بين هذه الرخص إمكانية الجمع بين الصلوات.
الرأي الفقهي في الجمع بين الصلوات في السفر
يرى غالبية العلماء جواز الجمع بين صلاتين للمسافر، وهذا مخالف لما ذهب إليه الحنفية الذين منعوا ذلك، واستدل الجمهور على جواز الجمع بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال:
“(كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرَ الظُّهْرَ إلى وقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بيْنَهُمَا، وإذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ).”
وقد أوضح العلماء أن الجمع يكون على نوعين: جمع تقديم وجمع تأخير. فيجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر، أو جمع تأخير في وقت العصر. وينطبق الأمر ذاته على صلاتي المغرب والعشاء.
واستدلوا أيضًا على جواز الجمع بإطلاق، وعدم تقييده بتقديم أو تأخير في الحديث الشريف:
“(كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ).”
ذهب أغلب العلماء إلى أن ترك الجمع بين الصلوات أفضل للمسافر خروجًا من الخلاف، بينما رأى آخرون أن الجمع أفضل، لأنه رخصة من الله تعالى. وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
“(إنَّ اللَّهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخصُهُ كما يحبُّ أن تُترَكَ معصيتُهُ).”
ضوابط الجمع بين الصلوات أثناء السفر
يجوز للمسافر الجمع بين الصلوات وفقًا لشروط معينة ذكرها العلماء، ومنها:
- أن تكون مسافة السفر تبلغ مسافة القصر، وهي تقدر بـ 80 كيلومترًا تقريبًا عند جمهور العلماء.
- أن يكون السفر مباحًا، فإذا كان السفر للمعصية، فلا يجوز الترخص برخصة الجمع.
- ترتيب الصلوات المجموعتين، فيصلي الظهر أولًا ثم العصر، والمغرب ثم العشاء.
- ألا يبدأ الترخص بهذه الرخصة قبل مغادرة مدينته.
- أن ينوي الإقامة أربعة أيام أو أقل، فإذا نوى الإقامة أكثر من ذلك، لا يجوز له الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان والقصر والجمع.
- الموالاة بين الصلاتين في جمع التقديم، بحيث لا يفصل بينهما بوقت طويل.
توضيح مفهوم السفر القصير
عرف الفقهاء السفر القصير بأنه السفر الذي لا يبلغ مسافة القصر (80 كيلومترًا). وقد اختلف العلماء في حكم الجمع بين الصلوات في السفر القصير، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه. واستدل المانعون بأن الجمع يكون لدفع المشقة، والمشقة غير متوفرة في السفر القصير.
ويرى هؤلاء أن الصلاة عبادة، ولا يجوز إخراجها عن وقتها في السفر القصير، قياسًا على الفطر في رمضان. وأضافوا أن جميع أدلة الجواز هي أفعال للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وليست أقوالًا، وبالتالي لا تثبت إلا في حالات معينة، ولم يرد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه جمع إلا في سفر طويل.
بينما استدل المجيزون للجمع بين الصلوات في السفر القصير بأن أهل مكة كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في عرفة، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة، مع أن سفرهم قصير، ولم ينكر عليهم أحد، فلا فرق إذن بين السفر الطويل والقصير.
المصادر
- “الجمع للمسافر والمفاضلة بينه وبين تركه”، اسلام ويب.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1111.
- شرح زاد المستنقع، محمد الشنقيطي، جزء 67، صفحة 3.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1106.
- “شروط الجمع بين الصلاتين في السفر”، الإسلام سؤال وجواب.
- صحيح ابن خزيمة، حديث رقم 448/3.
- الموسوعة الفقهية الكويتية، (الطبعة 2)، الكويت: دار السلاسل، جزء 15، صفحة 288.
- كفاية النبيه في شرح التنبيه، ابن الرفعة، (الطبعة 1)، جزء 4، صفحة 177.