الرأي الشرعي في استخدام مكبرات الصوت بالمسجد

آراء العلماء حول استخدام مكبرات الصوت في المساجد للأذان والإقامة والصلاة وخطبة الجمعة. مناقشة تفصيلية للأحكام المتعلقة بها.

مقدمة

تعتبر المساجد أماكن مقدسة للمسلمين، وتقام فيها الصلوات والشعائر الدينية. مع التطور التكنولوجي، ظهرت مكبرات الصوت كوسيلة لتضخيم الصوت وإيصاله إلى عدد أكبر من الناس. وقد أثار استخدام هذه المكبرات في المساجد العديد من التساؤلات حول مدى جوازها الشرعي، وضوابط استخدامها. تسعى هذه المقالة إلى تقديم نظرة شاملة حول الرأي الشرعي في استخدام مكبرات الصوت في المساجد، مع الأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب المتعلقة بذلك.

استعمال مكبرات الصوت في رفع الأذان

اتفق العلماء على استحباب رفع الصوت في الأذان، وذلك استنادًا إلى الحديث النبوي الشريف:

(إنَّ المؤذِّنَ يُغفرُ لَه مدى صَوتِه ويُصَدِّقُه كلَ رطبٍ ويابسٍ سَمِعَهُ والشاهِدُ عليه خمسةُ وعشرين درجةً)

[١] وكذلك ما ورد في صحيح البخاري:

(إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ أوْ بَادِيَتِكَ فأذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّدَاءِ، فإنَّهُ: لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولَا إنْسٌ، ولَا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيَامَةِ، قالَ أبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).

[٢] إضافة إلى ذلك، يعتبر الأذان إظهارًا لشعائر الإسلام ودعوة إلى التوحيد. واستخدام مكبرات الصوت لتحقيق هذا الهدف جائز شرعًا ولا حرج فيه، ولا يعتبر بدعة، بل هو وسيلة لإسماع المسلمين الأذان. الأصل في الوسائل التي تعين على أداء العبادة هو الإباحة والجواز، ما لم يرد نص بخلاف ذلك.

استخدام مكبرات الصوت أثناء إقامة الصلاة

يجوز استخدام مكبرات الصوت لإقامة الصلاة، بل قد يكون ذلك مطلوبًا شرعًا، خاصة إذا كان الإسماع لا يتحقق بدونها. والهدف من ذلك هو تذكير المسلمين بقرب إقامة الصلاة. ويستحب أن يكون صوت الإقامة أخفض من صوت الأذان، لأن الأذان لإعلام الغائبين، أما الإقامة فهي للحاضرين في المسجد.

استخدام مكبرات الصوت خلال الصلاة

لا بأس من استخدام مكبرات الصوت داخل المسجد إذا لم يتسبب ذلك في إيذاء أحد أو التشويش على الآخرين، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:

(أيُّها الناسُ إنَّ المُصلِّيَ إذا صلَّى فإنه يناجي ربَّه تباركَ وتعالى فلْيعلمْ بما يُناجيه ولا يجهرْ بعضُكم على بعضٍ).

[٧] إذا كان استخدامها لمصلحة، مثل جعل المصلين أكثر نشاطًا، أو إذا دعت الحاجة إليها بسبب كبر المسجد أو انخفاض صوت الإمام، فلا مانع من ذلك. أما إذا كانت مكبرات الصوت تؤدي إلى التشويش وإلحاق الضرر بالجيران أو المساجد الأخرى، فلا يجوز استخدامها لما يترتب على ذلك من إيذاء الناس والإخلال بصلاتهم.

حكم استعمال مكبرات الصوت في خطبة يوم الجمعة

يستحب للخطيب أن يرفع صوته في خطبة الجمعة، لقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-:

(كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ)

[٩] ليسمع الخطيب المسلمين ما يقوله ويجذبهم إليه. يجب أن يكون رفع الصوت معتدلاً ولا يسبب إيذاءً، مع مراعاة الظروف والمناسبات.

الهدف من استعمال مكبرات الصوت في المساجد

استخدام مكبرات الصوت في المساجد له ما يبرره، حيث يعد إسماع المصلين ضرورة لازمة لسلامة أداء العبادة. فالمصلي يحتاج إلى تنبيه لإقامة الصلاة والاستواء فيها، وحاجته إلى متابعة الإمام وعدم استباقه في أداء أركان الصلاة أوجب وأهم، كما أن الحاجة واضحة في ضرورة تبليغ جمهور المسلمين صوت الأذان وإعلامهم بدخول وقت الصلاة، فضلاً عن حاجة أهل المسجد لسماع ما يقدم من خطب ومواعظ ودروس.

المراجع

  1. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 14/40، إسناده صحيح.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 7548، صحيح.
  3. ↑ “رد شبهة أن استعمال مكبرات الصوت في الأذان بدعة”،www.islamweb.net/، 6-12-2008، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  4. ↑ محمد صالح المنجد (2009)،الإسلام سؤال وجواب، صفحة 1268، جزء 5. بتصرّف.
  5. ↑ محمد صلاح الإتربي (2012)،التروك النبوية «تأصيلا وتطبيقا»(الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 375-376. بتصرّف.
  6. ↑ “إقامة الصلاة بمكبر الصوت أمر مطلوب شرعاً”،www.islamweb.net، 24-5-2004، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  7. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 9/3، إسناده حسن.
  8. ↑ “ما حكم استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية؟”،ar.islamway.net، 31-10-2007، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  9. ↑ رواه مسلم، في الإمام مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 867، صحيح.
  10. ↑ “رفع الخطيب صوته مع وجود مكبر الصوت”،www.islamweb.net، 10-11-2007، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  11. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن وهب بن عبد الله أبي جحيفة، الصفحة أو الرقم: 503، صحيح.
  12. ↑ “حكم التفات المؤذن في الميكروفون يمينا وشمالا عند الحيعلتين”،www.islamqa.info، 4-9-2010، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  13. ↑ عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)،الفقه الميسر(الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 44، جزء 9. بتصرّف.
  14. ↑ “حكم التبليغ في الصلاة خلف الإمام”،aoif.gov.sd/، 28-9-2004، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2020. بتصرّف.
  15. ↑ عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى (2012)،الفقه الميسر(الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن، صفحة 46-47، جزء 9. بتصرّف.
  16. ↑ مركز التميز البحثي (2014)،الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة(الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 118. بتصرّف.
  17. ↑ “اقتداء النساء بالإمام عن طريق مكبرات الصوت في مصلى بينه وبين الإمام شارع”،www.dar-alifta.org، 13-9-2004، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2020. بتصرّف.
  18. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 4/134، إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين.
  19. ↑ سعيد حوى (1994)،الأساس في السنة وفقهها(الطبعة الأولى)، دمشق: دار السلام، صفحة 1625، جزء 4. بتصرّف.
  20. ↑ نور الدين الخادمي (1998)،الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضوابطه، مجالاته(الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 115-116، جزء 2. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أحكام أفعال تقود إلى الزنا

المقال التالي

درر الكلام: أقوال مأثورة في الحياة والأمل

مقالات مشابهة