مدخل إلى حكم استخدام صابون الأتان
تثار بين الحين والآخر تساؤلات حول مدى جواز استخدام بعض المنتجات التي قد تحتوي على مكونات حيوانية، ومن بين هذه المنتجات صابون الأتان، أو الصابون المصنوع من حليب الحمار. يهدف هذا المقال إلى استعراض الآراء الفقهية المختلفة حول هذا الموضوع، مع التركيز على الأدلة التي يستند إليها كل رأي، وكذلك توضيح مفهوم الاستحالة وتأثيره على الحكم الشرعي.
التحريم: أسس وأدلة
يستند العلماء القائلون بتحريم استخدام صابون الأتان إلى أن جمهور الفقهاء يحرمون أكل لحم الحمار الأهلي، ويعتمدون في ذلك على ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال:
“إنَّ اللَّهَ ورَسوله يَنْهَيَانِكُمْ عن لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، فإنَّهَا رِجْسٌ”.
وبناءً على هذا الحديث، يعتبرون لحم الحمير نجساً، وبالتالي فإن حليبها يأخذ نفس الحكم.
إذ يرى هؤلاء العلماء أنه لا يوجد تفريق بين لحم الحمير وألبانها في الحرمة، وبالتالي فإن استخدام حليبها في أي منتج يعتبر محرماً شرعاً. ويشيرون إلى أن المقصود هنا هو الحمار الأهلي الذي يستخدمه الناس في الركوب، أما الحمار الوحشي فهو مباح الأكل وبالتالي مباح لبنه. وقد ورد عن الصعب بن جثامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، وهو بالأبواء (أو بودان)، فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما في وجه الصحابي، قال له:
“إنا لم نرده عليك، إلّا أنّا حُرُم”.
وهذا يدل على أن الرفض لم يكن بسبب حرمة لحم الحمار الوحشي، بل لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان محرماً.
ويُستثنى من هذا التحريم حالة الضرورة، كما لو كان استخدام حليب الأتان للتداوي ولم يوجد بديل آخر، وذلك لأن التداوي بما فيه نجاسة يجوز للحاجة والضرورة.
الإباحة: مفهوم الاستحالة
يرى فريق آخر من العلماء جواز استخدام صابون الأتان استناداً إلى مفهوم “الاستحالة” في الفقه الإسلامي. والاستحالة هي تحول المادة النجسة إلى مادة أخرى مختلفة تماماً في صفاتها وخصائصها. وبمعنى آخر، هي سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تحول مركب المادة من شيء إلى آخر.
وبالتالي، تتحول المادة من نجسة محرمة إلى طاهرة مباحة. والضابط في ذلك هو أن تذوب المادة النجسة في المواد الأخرى المستخدمة في التصنيع بحيث لا يبقى لها أثر من لون أو رائحة أو قوام. وبناءً على ذلك، يجوز استخدام الصابون المصنوع من حليب الحمار إذا تحققت فيه شروط الاستحالة. وهذا ما ذهبت إليه دائرة الإفتاء الأردنية.
منتجات طاهرة بالاستحالة: أمثلة
الاستحالة، كما ذكرنا سابقاً، هي تغيير جوهر الشيء إلى جوهر آخر بفعل التفاعلات الكيميائية التي تحول المواد النجسة إلى مواد جديدة طاهرة ومباحة. ومن الأمثلة على ذلك:
- الجيلاتين: يتكون الجيلاتين في الغالب من استحالة عظام الحيوانات النجسة أو جلدها، وبالتالي يصبح طاهراً ومباحاً للأكل.
- الصابون: الناتج من استحالة شحوم الحيوانات المحرمة كالخنازير أو الحمير الميتة، فيجوز استعماله.
- المراهم والكريمات ومواد التجميل: التي قد يدخل في تركيبها شيء من شحوم الحيوانات النجسة، فيجوز استعمالها إذا تغيرت أوصافها بفعل الاستحالة.
- الأجبان: التي تنعقد بفعل إنفحة ميتة الحيوانات الطاهرة مأكولة اللحم، فتصبح بالاستحالة مباحة للأكل.
المراجع
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1940، صحيح.
- أبالجصاص،شرح مختصر الطحاوي، صفحة 535. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن الصعب بن جثامة الليثي، الصفحة أو الرقم:1193، صحيح.
- الخطيب الشربيني،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، صفحة 518. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،موسوعة صناعة الحلال، صفحة 465. بتصرّف.
- خالد المشيقح،فقه النوازل في العبادات، صفحة 30-31. بتصرّف.
- لجنة الإفتاء (23-3-2021)،”حكم استخدام حليب الحمار في تصنيع مادة الصابون”،الإفتاء الأردني، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2022. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،موسوعة صناعة الحلال، صفحة 470-471. بتصرّف.