الرأي الشرعي في إنهاء الحمل

نظرة شاملة حول آراء العلماء في إنهاء الحمل، وأدلة تحريمه، والحالات التي يجوز فيها، بالإضافة إلى موقف المملكة العربية السعودية من هذه المسألة.

دلائل على بداية الخلق البشري

لقد بيّن الله سبحانه وتعالى مراحل خلق الإنسان في القرآن الكريم، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل هذه المراحل في السنة النبوية المطهرة، مما يدل على عظمة الخالق وقدرته.

قال تعالى:

“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسانَ من سلالَةٍ مِن طِينٍ، ثُمَّ جعلْناهُ نُطفةً في قرَارٍ مَكينٍ، ثُمَّ خلقْنَا النُّطْفةَ علقةً فَخلَقْنَا الْعلقةَ مضغةً فخلَقْنَا الْمضغةَ عظَامًا فَكسوْنا الْعظَامَ لحمًا، ثُمَّ أَنشَأْناه خلقًا آخرَ فَتبارَكَ اللَّهُ أَحسن الْخالقينَ” (المؤمنون: 12 –14)

وفي الحديث الشريف، قال النبي _ صلّى الله عليه وسلّم _:

” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يومًا نطفة، ثمّ يكون علقة مثل ذلك، ثم يكن مضغة مثل ذلك ، ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد …” متّفق عليه.

تبيان حكم إنهاء الحمل

تعددت آراء الفقهاء والعلماء في مسألة إنهاء الحمل قبل مرور أربعين يومًا من الحمل. ذهب بعضهم إلى جواز ذلك قبل نفخ الروح، بينما اتفق الجميع على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، وهو ما أكدته كتب الفقه المختلفة.

ذكر العلامة ابن جزي رحمه الله:

” وإذا قبض الرّحمُ المنيَّ لم يجز التعرّض له ، وأشدّ من ذلك إذا تخلّق، وأشدّ من ذلك إذا نُفخ فيه الروح، فإنَّه قَتْلٌ للنَّفس إجماعا ” (القوانين الفقهية :183-184)

يوجد تباين في تحديد وقت نفخ الروح في الجنين. يرى البعض أنه يحدث بعد مئة وعشرين يومًا، بينما يرى آخرون أنه يتم في الليلة الأربعين. وقد أجاز العلماء بعض الحالات التي يمكن فيها الترخيص للمرأة المسلمة بإنهاء الحمل، كأن يشكل الجنين خطرًا على حياة الأم، وذلك بتوصية من لجنة طبية موثوقة.

أسانيد تحريم إنهاء الحمل

توجد أدلة شرعية قوية تدل على حرمة إنهاء الحمل، سواء قبل نفخ الروح أو بعده، وذلك لما فيه من اعتداء على حق الجنين في الحياة.

قال الله عز وجل:

“وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ”[البقرة205]

ويعتبر إنهاء الحمل صورة من صور إهلاك النسل الذي بدأ في التكون والنمو، وهذا دليل على تحريم الإجهاض حتى قبل نفخ الروح.

كما قال الله عز وجل:

“وَلا تقتلوا النَّفس الَّتي حرَّم اللَّه إِلَّا بالحقِّ” [الأنعام:151]

وهذا دليل واضح على التحريم بعد نفخ الروح.

النظام القانوني للإجهاض في المملكة العربية السعودية

الأصل في المملكة العربية السعودية هو عدم جواز إنهاء الحمل في مختلف مراحله، إلا في حالات الضرورة القصوى التي تستدعي ذلك.

إنهاء الحمل في مرحلة الأربعين يومًا الأولى لا يجوز إلا لدفع ضرر متوقع أو تحقيق مصلحة شرعية، ويتم تقدير كل حالة على حدة من قبل المختصين في الطب والشريعة. ولا يجوز إنهاء الحمل في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو الخوف من العجز عن تحمل تكاليف المعيشة والتعليم، أو من أجل مستقبلهم، أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد.

لا يجوز إنهاء الحمل إذا كان علقة أو مضغة إلا إذا قررت لجنة طبية موثوقة أن استمراره يشكل خطرًا على سلامة الأم، بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره. وفي هذه الحالة، يجوز إنهاء الحمل بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.

بعد مرور أربعة أشهر على الحمل، لا يجوز إنهاء الحمل إلا إذا قرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن الأم يسبب موتها، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياتها. وقد رُخص في الإقدام على إنهاء الحمل في هذه الحالة دفعًا لأعظم الضررين وجلبًا لأعظم المصلحتين، وذلك وفقًا لما جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 21/235-236).

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

درر من أقوال الإمام الشافعي

المقال التالي

نظرة في أحكام الإحرام

مقالات مشابهة