الدولة العباسية في العصر العباسي الأول: قيام ونظام الحكم

نظرة شاملة على تاريخ الدولة العباسية خلال عصرها الأول: قيام الدولة، وأبرز الخلفاء، والنظام السياسي الذي اتبعوه.

مقدمة عن الدولة العباسية

قامت الدولة العباسية بعد سقوط الدولة الأموية عام 132 هـ، نتيجة لثورة قادها العباسيون مدعومين بأنصارهم ضد حكم بني أمية. كان أبو العباس السفاح أول خليفة للدولة العباسية، ولقب نفسه بالسفاح، تعبيرًا عن وعيده الشديد لخصومه في خطبته الأولى بمسجد الكوفة، حيث قال: “إنه السفاح المبين والثائر المبيد”.

كيف تأسست الدولة العباسية؟

لم يكن الوصول إلى الخلافة العباسية أمرًا سهلاً، بل واجه العباسيون مقاومة شرسة من أنصار بني أمية، الذين سعوا للانتقام منهم بسبب المذابح التي قام بها العباسيون للاستيلاء على السلطة. وظهرت في بداية الدولة العباسية العديد من الثورات المضادة التي هددت استقرارها، لكن الخليفة الأول أبو العباس السفاح استطاع بحنكته وشدته أن يقضي عليها ويعزز أركان الدولة.

واجهت الدولة في بدايتها بعض الانحرافات من قبل بعض الإداريين والمسؤولين، ولكن انشغال الخليفة بتثبيت أركان الدولة أخّر محاسبتهم، وتم عزلهم بعد استقرار الأوضاع. وكانت أحكام الإعدام تنفذ بحق كل من يثبت تورطه في أي محاولة للقيام بثورة ضد الدولة العباسية. كان أول من أعدم أبو سلمة الخلال، الذي كان يسعى لنقل الخلافة من البيت العباسي إلى البيت العلوي. وفي عام 136 هـ، توفي أبو العباس السفاح، وانتقلت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور.

أبرز خلفاء العصر العباسي الأول

تعاقب على حكم الدولة العباسية منذ نشأتها تسعة خلفاء هم:

  • أبو العباس السفاح (132-136 هـ).
  • أبو جعفر المنصور (136-158 هـ).
  • المهدي (158-169 هـ).
  • الهادي (169-170 هـ).
  • هارون الرشيد (170-193 هـ).
  • الأمين (193-198 هـ).
  • المأمون (198-218 هـ).
  • المعتصم (218-227 هـ).
  • الواثق (227-232 هـ).

ملامح النظام السياسي في العصر العباسي الأول

نظرًا للاضطرابات ومحاولات تقويض الدولة في بداياتها، كان على الخلفاء اتباع سياسات محددة للحد من هذه الأحداث، ويمكن تلخيص هذه السياسات في النقاط التالية:

  • الحذر واليقظة التي تحلى بها الخلفاء العباسيون لإخماد الفتن والقضاء عليها.
  • تغليب الطابع الفارسي على سياسة الدولة بدلاً من الطابع العربي، حيث اعتمد العباسيون على الفرس في تأسيس دولتهم، سواء في الجيش أو في مؤسسات الدولة الأخرى.
  • بروز العنصر التركي بوضوح في عهد المعتصم، ليحل محل العرب والفرس.
  • مراقبة سلوك المسؤولين في الدولة ومعاقبة الفاسدين منهم.
  • تطبيق العدل والمساواة بين أفراد الشعب.

بداية الازدهار في العصر العباسي

تولى أبو جعفر المنصور الخلافة عام 136 هـ واستمر حكمه 22 عامًا، وشهدت الدولة العباسية في عهده قمة ازدهارها وتطورها في مختلف العلوم والآداب. كان الخليفة أبو جعفر المنصور عالمًا وأديبًا، وسعى إلى تطوير العلوم في الدولة العباسية، فأنشأ في قصره مكتبة ضخمة أسماها “بيت الحكمة”، ضمت حوالي 400 ألف كتاب من أهم الكتب. وكان حريصًا على إرسال البعثات إلى الخارج لجمع علوم الفرس والروم واليونان والهند وغيرها.

اتبع المنصور سياسة العدل والمساواة بين الرعية، واشتهر بورعه وتقواه، وكان من أزهد الناس، وهي صفات جعلت الناس تلتف حوله وتؤيده. ويعتبر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، حيث استطاع تثبيت أركانها والقضاء على الفتن التي كانت تهدد جهود العباسيين. ومن الأمثلة على ذلك ما فعله مع أبي مسلم الخراساني، قائد الثورة العباسية، الذي خرج عن طاعة الخليفة وبدأ يثير الاضطرابات في الدولة، فاستدعاه المنصور وقتله، ثم خطب في الناس قائلاً:

“أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحقن إن أبا مسلم قد أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا، فأخذ من الناس بنا مما أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره، وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله، وعنفنا في إنهالنا، فما زال ينقض بيعته، ويخفر ذمته حيث أحل لنا عقوبته، وأباح لنا في دمه، فحكمنا فيه حكمه لنا في غيره، ممن شق العصا، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه “.

الوضع بعد الخليفة المنصور

خلف المنصور ابنه محمد المهدي الذي سار على نهج والده، وتميز عهده بالعدل والمساواة، وازدهار العلم والثقافة والآداب، والاستقرار السياسي. كما عُرف المهدي بورعه وتقواه وفقًا لما أمره به والده المنصور قبل وفاته. وبعد وفاة المهدي، تولى الحكم ابنه الهادي، إلا أن مدة حكمه لم تتجاوز العام، وشهدت بدايات ثورة قادها العلويون، لكن الهادي قمعها بذكاء وجرأة. أما أزهى عصور الدولة العباسية سياسيًا وعلميًا فكان في خلافة هارون الرشيد، الذي رفع الدولة العباسية إلى مكانة مرموقة بفضل حنكته السياسية الكبيرة واهتمامه بالعلم.

ومما جعل الرعية تلتف حول الرشيد هو عدله الذي أبداه عندما تولى الحكم، حيث أعاد الأراضي التي أخذت عنوة إلى أصحابها، بالإضافة إلى الاستقرار الذي شهدته الدولة في عهده. إلا أن بعض الطامحين في الحكم ظهروا، وعلى رأسهم البرامكة، الذين قربهم الرشيد في البداية، ثم عزلهم وأمر بقتل العديد منهم فيما سمي بـ “نكبة البرامكة”.

نهاية الحقبة الأولى من الدولة العباسية

بعد وفاة المأمون، تولى أخوه المعتصم الخلافة، وفي عهده تغيرت طبيعة الصراعات في الدولة، حيث برز العنصر التركي وتوسع نفوذ الأتراك في الدولة. ولما وجد المعتصم من قوة في الأتراك، زاد من عددهم في الجيش، مما قوى شوكتهم في هذه المؤسسة الهامة. وتولى الخلافة بعده ابنه الواثق بالله، الذي سار على خطى والده في زيادة الأتراك في الجيش ومؤسسات الدولة، مما أثار غضب العرب والرعية، بالإضافة إلى تبنيه مذهب المعتزلة الذي أثار حنق أهل السنة ضده.

المصادر

Total
0
Shares
المقال السابق

الخلافة العباسية: نظرة شاملة

المقال التالي

الخلافة العباسية والسلاجقة: نظرة تاريخية

مقالات مشابهة

العلوم الطبيعية وأثرها في حياتنا

استكشف أهمية العلوم الطبيعية في حياتنا اليومية، مجالاتها المتنوعة، وفروعها الأساسية مثل العلوم الحياتية والعلوم الفيزيائية. تعرف على دورها في التقدم العلمي والتكنولوجي.
إقرأ المزيد