قيام الدولة الحفصية
عرفت منطقة شمال أفريقيا قيام دولتين تحت حكم الموحدين، أولهما الدولة المؤمنية، وثانيهما الدولة الحفصية. يعود نسب الحفصيين إلى أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاني، الذي كان من بين العشرة المقربين لابن تومرت، وكان من الداعمين للدولة المؤمنية. بعد وفاة أبي حفص، خلفه ابنه عبد الواحد في حكم مدينة تونس.
المؤسس الفعلي للدولة الحفصية هو أبو زكريا بن عبد الواحد بن يحيى بن أبي حفص، الذي كان والياً على إفريقية التونسية تحت سلطة الموحدين. تمكن أبو زكريا من بسط نفوذه على الجزائر، مستغلاً ضعف الدولة الموحدية في تلك الفترة. عمل على توفير الأمن والاستقرار في البلاد، وظلت الدولة المرينية تدين له بالولاء والبيعة حتى وفاته.
في خضم هذه الأحداث، اجتاح جيش التتار بغداد، مما أدى إلى سقوط الخلافة العباسية. شعر المسلمون بوطأة الضعف وفقدان القيادة الموحدة. في هذه الظروف، أعلن مؤسس الدولة الحفصية انتسابه إلى الصحابي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وبايعه أهل مكة المكرمة وأهل الحجاز خليفة للمسلمين.
ألقاب الخلفاء في العصر الحفصي
اتخذ الخلفاء الحفصيون ألقاباً مشابهة لألقاب الخلفاء المسلمين السابقين، مثل “الواثق” و”أمير المؤمنين” و”المستنصر بالله”. تميزت الدولة الحفصية بشعار خاص بها وهو: “الحمد لله والشكر لله”. كانت الدولة الحفصية تتمتع باستقلالية تامة، وحافظت على علاقات قوية مع ملوك السودان ومصر، وعملت على تعزيز علاقاتها مع الممالك الأوروبية. كما امتلكت جيشاً كبيراً يتألف من عناصر مختلفة من صنهاجة والنصارى وزناتة.
اعتمدت الدولة الحفصية على قوانين ودستور الدولة المؤمنية في تنظيم شؤونها. واعتمدت نظام الوزراء والكتاب لإدارة الدولة. شهد عهد أبي زكريا عبد الواحد بن يحيى، مؤسس الدولة الحفصية، ازدهاراً ورخاءً في الجزائر، وتميزت فترة حكمه بالعديد من الإنجازات.
أسباب الضعف والسقوط
بدأت بوادر الضعف تظهر عندما دبّ الخلاف بين أبناء الخليفة حول مسألة خلافته، مما أدى إلى انحسار نفوذ الدولة الحفصية في الجزائر. استغل المرينيون هذا الضعف وتخلوا عن ولائهم وبيعتهم للحفصيين. تفاقمت الأمور بسبب الخلافات الداخلية المتزايدة بين الإخوة المتنافسين على السلطة، مما أدى في النهاية إلى نهاية حكم الدولة الحفصية في الجزائر.
في المراحل الأخيرة من عمر الدولة الحفصية، تفشت الانقسامات والاضطرابات والصراعات، مما أدى إلى تمزق الدولة. كما ازدادت الهجمات التي شنها النصارى على السواحل التابعة للدولة الحفصية، والتي كانت تشمل أجزاء من الجزائر وتونس المطلتين على البحر الأبيض المتوسط. لم تتمكن الدولة الحفصية من صد هذه الهجمات بفاعلية.
سقطت الدولة الحفصية تحت سيطرة الأتراك والإسبان، وأصبحت سواحلها مسرحاً للصراعات بينهما. خلال فترة التوسع الإسباني في المنطقة، ظهر بحاران اتخذا من جزيرة جربة التونسية مركزاً لنشاطهما. تمكن هذان البحاران، بالتعاون مع السلطان الحفصي محمد بن الحسن، من إنقاذ العديد من المسلمين الذين كانوا يعيشون في الأندلس.
استنجدت العديد من المدن الساحلية في المغرب بهذين البحارين لتخليصها من الحكم الإسباني. قام الأتراك بعزل السلطان الحفصي، لكن الإسبان أعادوه إلى الحكم. ظلت الدولة الحفصية تعاني من الصراعات والانقسامات المستمرة حتى انتهت تماماً.
المصادر
- مبارك بن محمد الميلي الجزائري، تاريخ الجزائر في القديم والحديث، صفحة 382. بتصرّف.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، صفحة 40. بتصرّف.
- مبارك بن محمد الميلي الجزائري، تاريخ الجزائر في القديم والحديث، صفحة 383-384. بتصرّف.
- محمد بن رزق الطرهوني، التفسير والمفسرون في غرب افريقيا، صفحة 90. بتصرّف.