مقدمة
الحياة الدنيا هي اختبار وابتلاء، وهي مزيج من المتع والشهوات التي قد تغر الإنسان وتلهيه عن الغاية الأسمى وهي عبادة الله والعمل للآخرة. لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الانغماس في ملذات الدنيا ونسيان الآخرة، وأرشدنا إلى الطريق القويم الذي يوصلنا إلى رضا الله وجنته. في هذا المقال، سنتناول حديثًا نبويًا شريفًا يسلط الضوء على هذه القضية الهامة، ونستخلص منه الدروس والعبر التي تساعدنا على فهم طبيعة الدنيا وكيفية التعامل معها بحكمة وعقلانية.
شرح الحديث النبوي الشريف
روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الدُّنيا حلوةٌ خَضِرة، وإنَّ الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملُون؟ فاتقوا الدُّنيا، واتَّقُوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّل فِتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء” رواه مسلم.
هذا الحديث الشريف يتضمن تحذيرًا بليغًا من الاغترار بالدنيا وزخرفها. فقوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الدُّنيا حلوةٌ خَضِرة” يشير إلى أن الدنيا جذابة ومغرية، تجذب الأنظار بجمالها الظاهري، وتستهوي النفوس بملاذها وشهواتها. ولكن هذا الجمال والجاذبية قد يكونان خداعين، إذا لم ينتبه الإنسان إلى حقيقة الدنيا وأنها دار فناء وليست دار بقاء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وإنَّ الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملُون؟” تذكير بأن الله تعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وأناط به مسؤولية إعمارها وإصلاحها، والعمل بما يرضي الله. فالله تعالى يراقب أعمالنا ويحصيها، وسيحاسبنا عليها يوم القيامة.
فتنة الحياة الدنيا
التحذير من فتنة الدنيا يتكرر في القرآن الكريم والسنة النبوية. فقد قال تعالى: “فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ” (لقمان: 33). هذه الآية الكريمة تحذرنا من الانخداع بمظاهر الدنيا الزائلة، ومن ترك طاعة الله والانشغال بالملذات والشهوات. يجب على المسلم أن يتذكر دائمًا أن الدنيا ليست هي الغاية، وإنما هي وسيلة للوصول إلى الآخرة. فعليه أن يستغلها في طاعة الله وعمل الخير، وأن يبتعد عن كل ما يغضب الله. وأن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
التحذير من فتنة النساء
الشق الآخر من التحذير النبوي يتعلق بالنساء. فقوله صلى الله عليه وسلم: “واتَّقُوا النِّساء” ليس تحقيرًا للمرأة أو انتقاصًا من قدرها، بل هو تنبيه إلى أن المرأة قد تكون سببًا في فتنة الرجل وإضلاله، إذا لم يلتزم بالضوابط الشرعية. فالمرأة يجب أن تكون عفيفة محجبة، وأن تلتزم بآداب الإسلام في تعاملها مع الرجال. ويجب على الرجل أن يغض بصره عن النساء، وأن يبتعد عن كل ما يثير الفتنة. كما قال الله جل وعلا “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ” سورة الأحزاب 33. يجب ألا تخرج المرأة إلا لحاجة، وأن تكون متسترة غير متطيبة، حتى لا تفتن الناس.
عبرة من فتنة بني إسرائيل
الحديث النبوي يختتم بالإشارة إلى أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وهذا تذكير لنا بأن الفتنة بالنساء قد تكون سببًا في ضلال الأمة وانحرافها. فعلينا أن نتعلم من أخطاء الأمم السابقة، وأن نحذر من كل ما يؤدي إلى الفتنة والضلال.
خلاصة القول
الدنيا حلوة خضرة، ولكنها أيضًا دار فناء وزوال. فعلينا أن لا نغتر بها، وأن نستغلها في طاعة الله وعمل الخير. وعلينا أن نحذر من الفتن، وعلى رأسها فتنة النساء. فالمرأة يجب أن تكون عفيفة محجبة، والرجل يجب أن يغض بصره. بذلك نكون قد امتثلنا لأوامر الله ورسوله، ونجونا من الفتن والضلال، وفزنا برضا الله وجنته. فالدنيا ليست إلا معبرًا إلى الآخرة، والمسلم الحق هو الذي يستغل هذا المعبر في الوصول إلى الغاية الأسمى وهي رضا الله والجنة.