مقدمة
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة على كل مسلم مستطيع. يحتوي الحج على عدد من المناسك والشعائر التي يجب على الحاج القيام بها بترتيب محدد. في هذا الدليل، سنستعرض هذه الخطوات بالتفصيل.
كيفية الإحرام
الإحرام هو نية الدخول في مناسك الحج أو العمرة. يُعتبر الإحرام بداية رحلة الحج، ولا يشترط فيه التلبية أو سوق الهدي عند الشافعية والحنابلة. أما الحنفية، فيشترطون اقتران النية بالتلبية أو ما يقوم مقامها كالذكر أو سوق الهدي. ويرى المالكية أن النية كافية، ويستحب اقترانها بالتلبية أو أي فعل متعلق بالحج.
لا يجوز الإحرام إلا بالنية، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:(إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).[رواه البخاري] يجب أن تكون النية في القلب، ويجوز التلفظ بها. يمكن للمحرم أن يقول: “نويت حجاً أو عمرة وأحرمت بها لله تعالى”. إذا كان الحج عن غيره، يذكر اسمه. يحدد نوع الحج من إفراد أو تمتع أو قران، ثم يلبي بقوله: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلْك، لا شريك لك”.
في اليوم الثامن من ذي الحجة، المعروف بيوم التروية، ينوي الحاج المفرد فقط. أما المتمتع فيحرم من مكانه ثم ينوي الحج، ويتوجه إلى منى، والأفضل أن يكون ذلك قبل الزوال. يصلي في منى الظهر وباقي الصلوات إلى فجر اليوم التاسع؛ لأنه يسن له أن يبيت فيها. هذا المبيت من سنن الحج وليس واجباً، وكذلك أداء الصلوات الخمس فيها.
أهمية الوقوف بعرفة
يأتي يوم عرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة،وهو من أركان الحجّ باتّفاق الفُقهاء، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد بَطُل حجّه، وعندها يتحلّل الحاج من إحرامه بتأديته لأعمال العُمرة، وعليه الإعادة في العام المقبل، ويكون الوقوف بعرفة بعد مغادرة مِنى بعد طُلوع الشمس.
يُسنّ البقاء في مكانٍ يُسمّى نَمِرة إلى زوال الشمس، ثُمّ يذهب الحاجّ إلى عرفة ويُصلّي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ويبقى بعرفة إلى مَغيب الشمس، ويجب على الحاجّ الجمع بين اللّيل والنّهار في عرفة، وذلك في حال السَّعة، وإن لم يجمع بينهما فعليه دمٌ عند الجُمهور، ولا يُشترط الطهارة الصُغرى والكُبرى للوقوف بعرفة؛ لوقوف عائشة -رضي الله عنها- بعرفة وهي حائض.
الانتقال إلى مزدلفة
يُعدّ الوقوف بمُزدلفة بعد النُزول من عرفة من واجبات الحجّ باتّفاق الفُقهاء؛ لقول الله -تعالى-:(فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)؛[سورة البقرة، آية: 199] وهو أمرٌ، والأصل فيه الوجوب.
عند غياب شمس اليوم التاسع يفيض الحاجّ من عرفة إلى مُزدلفة، ويُسنّ له الإفاضة بسَكينةٍ مُلبّياً. وعند وُصوله يُصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، ويَقصر العشاء بركعتين، ويبيت فيها، ويصلّي صلاة التهجُّدِ والوتر، ثُمّ يُصلّي الفجر، ويتوجّه نحو المشعر الحرام، ويستقبل القبلة ويدعو، ثُمّ يتوجّه نحو مِنى قبل طُلوع الشمس.
ويجوز لِكبار السنّ والضُعفاء النّفر من مُزدلفة إذا مضى أكثر الليل، ثُم يرمي الحاج جمرة العقبة؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد رَوت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-:(أنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قالَتْ: يا بُنَيَّ، هلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قالَتْ: يا بُنَيَّ هلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا ومَضَيْنَا، حتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ).[رواه البخاري]
أعمال يوم النحر: الرمي والطواف والنحر والحلق
يومُ النحر هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وسُمّي بذلك لأنه اليوم الذي يُنحر فيه الهدي والأُضحية. يكون في هذا اليوم أكثرُ أعمال الحجّ، وفيه الوقوف بالمشعر الحرام؛ وهو من الأعمال المُستحبّة عند الجُمهور، ثم يتوجه الحاج بعد طلوع الشمس إلى منى؛ لرمي جمرة العقبة الكُبرى، وهي من واجبات الحج عند الجمهور.
ثم ينحر الهديّ، ومن ثم يحلق أو يُقصّر، وبعد ذلك يتوجّه الحاج نحو البيت ليطوف به طواف الإفاضة، وهو من فرائض الحج باتفاق الفُقهاء، والأفضل أداؤه بعد الرّمي والحلق، والترتيب بين هذه الأعمال من السُنن، ويرى بعض العلماء أن الترتيب واجب.
ويتحلّل الحاجّ التحلّل الأول برميه لجمرة العقبة الكُبرى يوم النّحر، ويباح له كل شيءٍ إلا النّساء -الجماع-، وأمّا التحلُّل الثاني فيحصُل بإكمال باقي الأعمال، ويُباح للحاجّ بعدها ما حُرّم عليه من المحظورات حتى النّساء. الأفضل أن يبدأ الحاج بالرّمي، ثُمّ نحر الهديّ، ثُمّ الحلق أو التقصير، ثُمّ الطواف والسّعي، وأمّا الحاجّ المفرد والقارن فلا يسعى أو يطوف؛ إن كان قد طاف مع قُدومه.
كيفية رمي الجمرات الثلاث
رمي الجمرات من أهم خطوات مناسك الحج، ويكون في أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر. يبدأ بجمرة العقبة الصُغرى، وهي الأبعد عن مكة، والأقرب إلى مسجد الخيف؛ فيرميها بسبع حصيّاتٍ ويُكبّر مع كُلِ حصاة، ويجب أن تأتي الحصاة في الحوض، وما كان خارجها فعليه أن يُعيدها، ثُم يستقبل القبلة ويرفع يديه بالدُعاء، ثُم يرمي جمرة العقبة الوسطى، ويفعل كما فعل عند الأولى، ثُم يرمي جمرة العقبة الكُبرى، ويفعل كما فعل في الصُغرى والوسطى؛ ولكن من غير أن يدعو أو يقف.
في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر يفعل كما فعل في اليوم الأول من رمي الجمرات، ويجوز للعاجز عن الرمي كالمريض والكبير وغيرهم أن يوكّل غيره، والأفضل في رمي الجمرات أن تكون قبل الغُروب، كما ويجوز الرمي ليلاً.
ومن أراد التعجّل فيجب عليه الخُروج من مِنى قبل مَغيب الشمس، ومن غربت عليه وهو في مِنى فيجب عليه التأخّر يوماً آخر، ويرمي به الجمرات الثلاث، ومن تأخّر بسبب الزحام فلا يلزمه ذلك.
طواف الوداع للمغادرين
يُسمّى طواف الوداع بهذا الاسم؛ لأنّ الحاجّ يودّع به البيت، ويُسمّى أيضاً بطواف الصّدْر؛ لأنه يصدُر من البيت، وطواف آخر العهد، وهو واجبٌ بعد الانتهاء من أعمال الحجّ وقبل الخُروج من مكة؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:(أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ).[رواه البخاري]
يُشترط له أن يكون الحاجّ من أهل الآفاق؛ أي من غير سُكان مكة، ولم ينوِ الإقامة فيها، ويُشترط كذلك الطهارة من الحيض أو النفاس، أمّا إذا طهرُت المرأة قبل الخُروج من مكة؛ فيجب عليها الرُجوع للطواف.
أسئلة متكررة حول مناسك الحج
هناك استفسارات شائعة ومتكررة حول كيفية تأدية مناسك الحجّ، نذكرُ بعضها فيما يأتي:
إذا نويت العمرة مع الحج، فلأيهما تكون أولوية الخطوات؟
هناك نوعان من أنواع الحجّ تدخل فيهما العمرة، وهما: حجّ التمتع وحجّ القِران؛ فعندما ينوي الحاج عمرته متمتعاً بها إلى الحجّ فهو ينوي العمرة أولاً في أيام الحجّ، ويتمّ عمرته كاملةً ويتحلّل من إحرامه. ومن ثمّ ينوي الحجّ في اليوم الثامن من ذي الحجة، وأما إن كان الحاجّ قد نوى الحجّ قارناً فإمّا أن ينويهما معاً أو ينوي العمرة، ثم يُدخل عليها نية الحجّ قبل الطواف، ويبقى مُحرِماً ولا يتحللّ حتى يوم النحر.
ماذا يحدث إذا نسيت إحدى خطوات الحج؟
يفرَّقُ في ذلك إن كان الذي نسيه من أركان الحجّ أم من واجباته؛ فإن كان ركناً من أركان الحجّ: وهي الإحرام، وطواف الإفاضة، والسّعي، والوقوف بعرفة، فمن نسِيَ الإحرام والوقوف بعرفة فقد فاته الحجّ، ومن نسِيَ السعي وطواف الإفاضة فلا يكتملُ حجّه إلا عندما يأتي بهما حال ذِكرِهما. وأمّا إن كان الذي نسيه من واجبات الحج: وهي الإحرام من الميقات المخصص، والمبيت بمنى ليالي التشريق، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، ورمي جميع الجمار، والحلق أو التقصير، وطواف الوداع؛ فلا إثم عليه وحجّه صحيح، ولكنّه ترك ما هو أفضل له.
ماذا لو أخطأت في ترتيب خطوات الحج؟
لا يجوز تغيير ترتيب خطوات الحجّ، فلكلّ منسك وقته المحدّد شرعاً، ولا يجوز تقديم شيء على شيء.
ماذا أفعل إذا كنت قد تأخرت بخطوات الحج؟
هناك بعض الأحكام الخاصة بأصحاب الأعذار؛ كالمريض، أو كبار السن، أو من يصطحبون الأطفال، فقد يتأخروا عن أداء بعض المناسك وقد يعجزون عن الإتيان بها. من عجز عن الإحرام من ميقاته أحرم من أقرب المواقيت إليه، ومن توجّب عليه الرجوع إلى الميقات ولم يستطع ذلك فيُحرم من موقعه وعليه دم. من عجز عن المبيت في مزدلفة لعذرٍ قد أصابه، أو لشدة الزحام فلا يلزمه المبيت، ويسقط عنه، وليس عليه فدية. من عجز عن المبيت في منى فيسقط عنه المبيت. من عجز عن رمي الجمرات فلا بأس أن يوكّل أحداً يقوم بالرّمي نيابةً عنه، ومن عجز عن الرمي نهاراً فلا بأس أن يرمي ليلاً. من عجز عن الإتيان بطواف الوداع فليس عليه شيء، وذلك عند المالكية وفي قول عند الشافعية؛ لأنه يسقط عن الحائض والنفساء.
خاتمة
الحج رحلة روحانية عظيمة، تتطلب الاستعداد الجيد والمعرفة الكاملة بمناسكها. نأمل أن يكون هذا الدليل قد ساعدك في فهم خطوات الحج بشكل واضح ومفصل.