الخطبة قبل العقد: أحكام وضوابط

مقدمة حول الخطبة

الخطبة هي بمثابة طلب الرجل يد المرأة للزواج، أو إظهار الرغبة في الارتباط بها، وإعلام ولي أمرها بذلك، سواء كان ذلك بشكل مباشر من الخاطب نفسه أو عن طريق أهله. تعتبر الخطبة مرحلة تسبق عقد الزواج، وهي مشروعة لكل من يرغب في الزواج وتكوين أسرة. وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على مشروعية الخطبة، حيث قال الله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ). وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب السيدة عائشة -رضي الله عنها- لنفسه.

تعتبر الخطبة مقدمة ضرورية للزواج، يتم خلالها تحديد حقوق الزوجة مثل المهر، كما أنها فرصة للخاطبين للتعارف على بعضهما البعض وتبادل الآراء، وذلك يتم من خلال الرؤية الشرعية. يقول الله -تعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

تساعد فترة الخطبة على تعزيز فهم كل من الطرفين لشخصية الآخر، ودراسة طباعه وصفاته. فإذا وجد الخاطب والمخطوبة التوافق والمودة بينهما، واطمأنوا إلى إمكانية العيش معاً في استقرار وتفاهم ومحبة ورحمة، فإنهم يكملون طريقهم نحو الزواج بإتمام العقد.

أحكام تنظيم فترة الخطوبة

وضع الإسلام مجموعة من الأحكام والضوابط التي تنظم فترة الخطوبة، وذلك بهدف حماية حقوق الطرفين ورعاية مصالحهما. فيما يلي توضيح لأهم هذه الضوابط:

النظرة الشرعية: حدود وآداب

أجمع جمهور العلماء على أن من أراد الزواج يجوز له القيام بالنظرة الشرعية. الحكمة من هذه النظرة هي تحقيق القبول بين الطرفين، والاطمئنان النفسي قبل الإقدام على الزواج. يجب أن تكون النظرة خالية من الشهوة والرغبة المحرمة، وأن يقتصر نظر الخاطب إلى المخطوبة على القدر الجائز شرعاً، وهو الوجه والكفين. وينبغي أن تتم النظرة الشرعية بنية الموافقة من الطرفين، وأن لا تبالغ الفتاة في الزينة، لأن الخاطب لا يزال أجنبياً عنها في هذه المرحلة. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا خطَب أحدُكم امرأةً فإن استطاع أن ينظُرَ إلى ما يدعوه إلى نِكاحِها فليفعَلْ).

حكم اللمس أثناء فترة الخطبة

اتفق الفقهاء على عدم جواز لمس الخاطب لخطيبته، سواء باليد أو بأي جزء آخر من الجسم، خلال فترة الخطوبة أو قبلها أو بعدها، وذلك قبل عقد النكاح. تعتبر المخطوبة أجنبية عن الخاطب في هذه المرحلة، وإنما أبيح النظر إليها للحاجة، كوسيلة للترغيب في عقد الزواج.

الخطبة بدون عقد ليست سوى إجراء تحضيري للزواج، وهي إعلان وإشهار لرغبة الخاطب بالزواج من الفتاة. هذا لا يمنح الخاطبين وضع الأزواج، وتبقى المخطوبة أجنبية عن الخاطب. لا تجوز الخلوة بينهما، ولا يجوز أن يسافر معها، أو أن يلمسها. يجب الالتزام بهذه الحدود الشرعية.

الحدود المسموح بها هي الرؤية الشرعية، والحديث في حدود التعارف وتبادل الأفكار والآراء، دون الخوض في الكلام العاطفي أو ما شابه. يجب أن يتم ذلك دون خلوة بين الخاطب والمخطوبة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ فإن الشيطانَ ثالثُهما).

طبيعة الالتزام في فترة الخطبة

الخطبة لا تعتبر عقد زواج، وبالتالي لا تلزم الخاطب بدفع المهر أو إتمام الزواج. هي مجرد وعد بالزواج، ويجوز للخاطب أو المخطوبة فسخ الخطبة والتراجع عنها إذا حدث خلاف أو عدم قبول من أحد الطرفين، ولا يترتب على ذلك أية تبعات قانونية أو شرعية.

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:235
  2. سورة الروم، آية:21
  3. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله ،الفقه الاسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 492.
  4. رواه أبن قطان، في الوهم والايهام، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:428/4.
  5. أحمد علي طه ريان،فقه الأسرة، صفحة 38. بتصرّف.
  6. رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:187/7.
  7. إدارة الإفتاء بوزاة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت،الدرر البعية من الفتاوى الكويتية، صفحة 32.
Exit mobile version