الحفاظ على البيئة في الجزائر: رؤية شاملة

نظرة عامة على الوضع البيئي في الجزائر وأهم التحديات التي تواجهها. استكشاف دور الجزائر في حماية البيئة والاتفاقيات الدولية الموقعة. نظرة على الجهود المبذولة والتحديات المستمرة.

الوضع الراهن للبيئة الجزائرية

تواجه البيئة في الجزائر تحديات جمة تهدد التنوع البيولوجي. وفقًا لاتفاقية التجارة الدولية بشأن أنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض (CITES)، هناك 75 نوعًا من أصل 121 في الجزائر معرضة لخطر الانقراض. تشمل هذه الأنواع 23 نوعًا من الأسماك، و14 نوعًا من الثدييات، و11 نوعًا من الطيور. أشجار السرو المتواجدة في منطقة طاسيلي ناجر تعد من بين الأنواع النباتية الأكثر عرضة للخطر، حيث لم يتبق منها سوى حوالي 200 شجرة داخل محمية المحيط الحيوي في تاسيلي. بالإضافة إلى ذلك، هناك أنواع أخرى مثل أشجار الصنوبر الأسود والعرعار الفواح.

تشمل الحيوانات المهددة بالانقراض في الجزائر الحافريات مثل الغزلان والظباء والضأن البربري (الأروي) والأيل البربري، بالإضافة إلى الفهد وفقمة الراهب والمكاك البربري. بالنسبة للثروة السمكية، من المتوقع أن تشهد انخفاضًا بنسبة 30% خلال العقدين القادمين، مع تأثر أسماك التونة والأنشوجة والسردين وبعض أنواع القريدس بشكل خاص.

شهدت البيئة الجزائرية خلال العشرين سنة الماضية أشكالاً مختلفة من التدهور، بما في ذلك تآكل السواحل نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثير العواصف المتراكمة. ونتيجة لذلك، فقدت الجزائر ما بين 40% إلى 80% من شواطئها خلال الخمسين سنة الماضية.

التحديات البيئية الرئيسية

تعاني الجزائر من عدة مشاكل بيئية مشتركة مع دول أفريقية أخرى، مثل نقص موارد مياه الشرب، وتدهور التربة الناتج عن الرعي الجائر والممارسات الزراعية غير المستدامة، والتصحر، وتلوث السواحل والأنهار بسبب سوء إدارة مياه الصرف الصحي، ومخلفات تكرير النفط، وتآكل التربة، والجريان السطحي المحمل بالأسمدة.

تسعى الجزائر جاهدة لإيجاد حلول فعالة لهذه المشاكل. تشارك الدولة في العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعالج قضايا بيئية متنوعة مثل تغير المناخ والتصحر والأنواع المهددة بالانقراض والنفايات الخطرة وقانون البحار وحماية طبقة الأوزون وغيرها. كما أن الجزائر طرف أساسي في اتفاقية رامسار التي دخلت حيز التنفيذ في الجزائر في 4 مارس 1984. تمتلك الجزائر حاليًا حوالي 50 موقعًا مدرجًا في قائمة الأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية، تغطي مساحة إجمالية تبلغ حوالي 29,814 كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من أي دولة أخرى في أفريقيا.

تتضمن المشاكل البيئية في الجزائر قضايا تتعلق بجودة الهواء المهددة بالتلوث بسبب قطاع النقل والمخزون الصناعي القديم. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات في إدارة جودة مصادر المياه والتلوث الساحلي والبحري. تعتبر الجزائر من الدول التي تعاني من ندرة المياه، وعلى الرغم من التحسينات في إمدادات المياه الرئيسية، لا تزال كمية المياه المفقودة كبيرة. تحتاج الجزائر إلى معالجة مياه الصرف الصحي على الرغم من محدودية قدراتها في هذا المجال، ومنع تدفق مخلفات الصناعة والنترات الزراعية لتحسين جودة المياه. تتأثر جودة المياه الساحلية بمستويات التحضر والمصانع القريبة.

تعد إدارة النفايات أيضًا من القضايا البيئية الملحة في الجزائر، حيث تواجه الدولة تحديًا كبيرًا في منع وجمع ومعالجة النفايات، بالإضافة إلى توفير أماكن تخزين دائمة لها. فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي، أدت إزالة الغابات والتلوث والتحضر إلى انخفاض مستوياته. بالإضافة إلى التحديات السابقة، يمثل التصحر تحديًا بيئيًا كبيرًا نظرًا لوقوع أجزاء كبيرة من الجزائر في الصحراء الكبرى. تعتبر الجزائر أيضًا من الدول المتأثرة بقضية الاستخدام والحماية المشتركة للبحر الأبيض المتوسط.

دور الجزائر في صون البيئة

وضعت الجزائر استراتيجيات وطنية وخطة عمل تتعلق بشؤونها البيئية والتنمية المستدامة. تبنت الدولة عددًا من البرامج القطاعية المتعلقة بعدة قضايا بيئية، وعلى رأسها التصحر وإدارة النفايات وحماية المناطق الساحلية والبحرية. عملت الجزائر بجد على تحسين الإطار القانوني لحماية البيئة منذ عام 2000.

حظيت البيئة باهتمام خاص في الخطط الاقتصادية للجزائر، حيث تبنت برنامجًا واعدًا لتطوير قطاع الطاقة المستدامة والاستخدام الفعال لها، بهدف الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 40% بحلول عام 2030. على الصعيد العالمي، وقعت الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) كطرف غير مدرج في الملحق الأول عام 1993، وصادقت أيضًا على بروتوكول كيوتو عام 2004، معلنة بذلك مشاركتها الدولية في التصدي لظاهرة تغير المناخ وآثارها المحتملة، وخاصة على الأنظمة البيئية الطبيعية، واستدامة التنمية الاقتصادية.

تعتبر الجزائر من الدول المعرضة للتأثر بشدة بهذه الظاهرة من الناحية الاقتصادية والطبيعية، لذلك عملت على دمج هذه القضية تدريجيًا في جميع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتعامل مع جميع الجوانب المتعلقة بها ومحاولة التكيف معها، بالإضافة إلى اعتماد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، التي تهدف إلى تعزيز الإطار المؤسسي والتشريعي، والقدرات المؤسسية، وتوعية وتثقيف الجماهير من خلال بعض الأساليب التشاركية. ترتكز هذه الاستراتيجية على ثلاث ركائز أساسية:

  • التكيف مع تغير المناخ.
  • ضمان التنمية المستدامة للبلاد.
  • التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة.

تتمثل البرامج القطاعية الرئيسية التي تستند عليها الاستراتيجية الوطنية فيما يلي:

  • الخطة الوطنية للعمل والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ لعام 2003.
  • برنامج سياسة إدارة المياه القطاعية المتكاملة.
  • البرنامج الوطني للحفاظ على الطاقة.
  • البرنامج الوطني للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة.
  • خطة العمل الوطنية لمكافحة التصحر.
  • برنامج الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.

ومن بين الجهود المبذولة في المجال البيئي، ما قامت به الجزائر في مجال الأراضي الرطبة، والتي تشمل مجمعات مثل البحيرات الشاطئية والبحيرات المالحة. تعمل الدولة على حماية الأراضي الرطبة من التدمير والاستخدام المفرط لها، وتحتل الجزائر المرتبة الثامنة عالميًا من حيث المساحة المحددة للأراضي الرطبة بموجب اتفاقية رامسار. هذا التصنيف مهم جدًا لبيئة الجزائر الجافة التي تمثل ندرة المياه فيها مشكلة حقيقية، وهي اليوم تلعب دورًا رائدًا بين دول شمال أفريقيا في الحفاظ على البيئة.

الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الجزائر

تبذل الجزائر جهودًا دولية في سبيل الحفاظ على البيئة، وكانت جزءًا من عدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بالشأن البيئي، منها:

اسم الاتفاقيةتاريخ التوقيع
معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (CITES)21-2-1984
اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة4-3-1984
اتفاقية التنوع البيولوجي13-6-1992
معاهدة الطيور المهاجرة
الوكالة الدولية لصيد الحيتان
اتفاقية الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط
اتفاقية تأسيس المنظمة الأوروبية والبحر الأبيض المتوسط لحماية النبات
اتفاقية وقاية النباتات الدولية
الاتفاقية الدولية لسلامة الحياة في البحر
الاتفاقية الإفريقية لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية
اتفاقية إنشاء المنظمة العربية للتنمية الزراعية
اتفاقية إنشاء هيئة مكافحة الجراد الصحراوي في شمال غرب أفريقيا
اتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية لحفظ موائل الطيور المائية
تعديلات على الاتفاقة الدولية لمنع تلوث البحر بالنفط
بروتوكول الوقاية من تلوث البحر المتوسط النفايات التي تلقيها السفن والطائرات
اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث
اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى
بروتوكول بشأن المناطق المحمية الخاصة في البحر المتوسط
بروتوكول حماية البحر الأبيض المتوسط ضد التلوث الناتج من مصادر برية
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد أو التصحر، وبخاصة في أفريقيا
البروتوكول الخاص بالمناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر االبيض المتوسط

الجهود المبذولة والتحديات القائمة في حماية البيئة والتنوع البيولوجي

تمثل الأنشطة البشرية العامل الرئيسي الذي يهدد التنوع البيولوجي في الجزائر، وتدمر الموارد البيولوجية أو تستغلها بشكل مفرط، وتزيد من التوسع في المناطق المزروعة، مما أدى إلى انخفاض الغطاء النباتي بنسبة 50% منذ عام 1989. تشمل الأنشطة البشرية عمليات التحضر والتوسع في البنية التحتية والتلوث والسياحة والصيد. ارتفع عدد السفن المخصصة للصيد من 2,400 عام 1999 إلى 4,000 سفينة بحلول عام 2005، مما يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي نتيجة لزيادة عمليات الصيد. تتشارك آثار تغير المناخ، التي تشمل التصحر وضيق المناطق المستغلة والتي تؤثر على أنواع الأسماك التجارية كالسردين، مع الأنشطة البشرية في تفاقم المشكلة التي يعاني منها التنوع البيولوجي.

تقع مهمة الحفاظ على التنوع البيولوجي على رأس أولويات الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي وخطط العمل في الجزائر، وترتب على ذلك إطلاق العديد من الأنشطة البيئية، مثل برامج مكافحة تدهور المصادر الطبيعية، والقيام بالجرد الممنهج لموارد الدولة من النباتات والحيوانات، وتأسيس بنك الجينات للحفاظ على جينات النباتات البرية والمزروعة، بالإضافة إلى إنشاء مناطق محمية جديدة.

تنقسم عملية الحفاظ على البيئة إلى جزأين:

  • الحفظ في الموقع: الإجراءات المتخذة لحماية الأنواع الموجودة بشكل طبيعي في الموقع.
  • الحفظ خارج الموقع: الإجراءات المتخذة لإزالة الأنواع من بيئتها الطبيعية.

في الحياة البرية

كانت الحماية البيئية في الجزائر تشمل فقط المناطق البرية حتى عام 2003، عندما صُنفت جزر حبيبة كمحمية طبيعية بحرية. وفيما بعد تم إنشاء المحمية البحرية التونسية الجزائرية. تضم الجزائر حاليًا 11 متنزهًا وطنيًا و5 محميات طبيعية و4 محميات للصيد و42 أرضًا رطبة ذات أهمية دولية و33 مكانًا ذا أهمية خاصة، بحيث يشغل كل ما سبق ما نسبته 24% من المساحة الكلية للبلاد. تغطي الغابات 42,000 كيلومتر مربع من مساحة البلاد، بنسبة 1.7% من مساحتها.

في المحميات الطبيعية

اتخذت الجزائر خطوات إيجابية لمنع تآكل التنوع البيولوجي، حيث تم إنشاء المرصد الوطني لتنمية الموارد البيولوجية (CNDRB). أصبحت هذه المؤسسة مسؤولة على المستوى الوطني عن حفظ وإنتاج المعلومات والإشراف على وتمثيل واستعادة الموارد والتراث البيولوجي الوطني، وتنسيق الأنشطة البحثية في جميع أنحاء البلاد. تشمل هذه الوظائف جميع الحيوانات والنباتات البرية والمزروعة في الجزائر.

قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

Total
0
Shares
المقال السابق

الحفاظ على الطبيعة في الشريعة الإسلامية

المقال التالي

حماية وأمن المعلومات الشخصية

مقالات مشابهة