فهرس المحتويات
نظرة عامة على الحروب الصليبية
الحروب الصليبية سلسلة من الحملات العسكرية الطويلة التي شنها مسيحيون من أوروبا ضد المسلمين في مناطق شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط. امتدت هذه الحروب من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وبدأت بتحريض من باباوات الكنيسة الكاثوليكية. اتخذت هذه الحروب شكل حملات عسكرية تهدف إلى السيطرة على الأماكن المقدسة المسيحية وأراضي جنوب البحر المتوسط، معتبرين إياها إرثًا لكنيستهم من المسيح والرومان. سنستكشف في هذه المقالة أصل تسمية هذه الحروب بالصليبية، بالإضافة إلى العوامل الدافعة لها.
أصل تسمية الحروب الصليبية
اُطلق على هذه الحروب اسم “الصليبية” بسبب قيام الجنود بنقش علامة الصليب على ملابسهم. وفي المصادر العربية المعاصرة لتلك الفترة، مثل كتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير الجزري وكتاب “المختصر في أخبار البشر” لأبي الفداء، أُطلق على المشاركين في هذه الحروب اسم “الفرنجة” أو “الإفرنج” أو “الروم”، وعُرفت الحملات نفسها باسم “حروب الفرنجة”.
أما في الغرب، فقد حمل الصليبيون أسماء مختلفة، مثل “مؤمنو القديس بطرس” و “جنود المسيح”. وكان بعضهم، مدفوعين بدوافع دينية، يرون أنفسهم حجاجًا مسلحين، حيث كان الحجاج في العادة لا يحملون السلاح. كان الصليبيون يقسمون بالذهاب إلى القدس والحصول على صليب من القماش لتثبيته على ملابسهم، وأصبح هذا الصليب رمزًا للرحلة بأكملها.
في العصور الوسطى، استخدم الأوروبيون مصطلحات تشير إلى السفر والترحال والطريق إلى الأراضي المقدسة للإشارة إلى هذه الحروب. يُعتقد أن مصطلح “الحرب الصليبية” ظهر لأول مرة في دراسة لمؤرخ بلاط لويس التاسع عشر عام 1675. كما أن وجود علامة الصليب على الأسلحة والسفن الشراعية كان من بين الأسباب التي أدت إلى هذه التسمية، حيث كانت الحملات المتجهة إلى العالم العربي تدعي أنها تسعى إلى “تخليص المسيحية”.
محفزات الحروب الصليبية
الدافع الرئيسي
بعد انتصار السلاجقة على البيزنطيين، طلب البيزنطيون المساعدة من المسيحيين في بلاد الغال (فرنسا)، بحجة وحدة الدين. كانت الدوافع الاقتصادية والاجتماعية عوامل حاسمة في قرار الدفاع عن الروم البيزنطيين.
الدوافع الدينية
في نوفمبر 1095، دعا البابا أوربان الثاني إلى اجتماع لرجال الدين في مدينة كليرمونت في فرنسا للدعوة إلى الحروب الصليبية. بررت العديد من الحملات أهدافها بتطبيق إرادة الرب من خلال الحج إلى الأراضي المقدسة للتكفير عن الذنوب. انتشرت روايات كاذبة عن اضطهاد المسلمين للمسيحيين في الأراضي المقدسة، والمطالبة بتحريرهم، خاصة بعد تدمير كنيسة القيامة في 18 أكتوبر 1009 بأمر من الحاكم الفاطمي بأمر الله الفاطمي.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ”.
المحفزات الاجتماعية
كان قانون الميراث السائد في أوروبا آنذاك يقضي بأن يرث الابن الأكبر أملاك والده وعبيده بعد وفاته، بينما يتم توزيع الممتلكات المنقولة بين الأبناء الآخرين. أدى هذا القانون إلى ظهور طبقة من النبلاء الذين لا يمتلكون أراضي، وانتشرت بينهم ألقاب مثل “بلا أرض” و “المعدم” للإشارة إلى عدم امتلاكهم أي قطعة أرض. رأى هؤلاء النبلاء في الحملات الصليبية فرصة للاستيلاء على الأراضي في الشرق، بينما رأى آخرون فيها فرصة لتوسيع ممتلكاتهم. بالنسبة للفقراء، كانت الحملات الصليبية فرصة لبدء حياة جديدة أفضل، وطريقة للخروج من حياة العبودية في ظل النظام الإقطاعي.