الحب الأفلاطوني: نظرة في معانيه وخصائصه

استكشاف مفهوم الحب الأفلاطوني أو العذري، وخصائصه التي تميزه، مع أمثلة من الشعر العربي الذي يجسد هذا النوع من الحب.

ماهية الحب الأفلاطوني

الحب الأفلاطوني، أو الحب العذري، هو نمط من أنماط العشق يتميز بالطهر والعفة. يركز هذا النوع من الحب على الجانب الروحي والمعنوي للعلاقة، ويقلل من أهمية الجوانب المادية أو الجسدية. يعبر الشاعر أو المحب في هذا النوع من الحب عن شوقه العميق وولهه بالحبيب، وكذلك عن ألمه ومعاناته نتيجة الفراق والبعد. الأهم في هذا الحب هو الجمال الداخلي للحبيب، لا مظهره الخارجي.

سمات الحب الأفلاطوني

يتميز الحب الأفلاطوني بعدة سمات رئيسية:

  • العفة والطهر: الابتعاد عن أي ممارسات أو أفكار جسدية.
  • التركيز على الجانب الروحي: الاهتمام بالصفات الداخلية والأخلاق الحميدة.
  • التعبير عن الألم والشوق: تصوير معاناة البعد والفراق بشكل مؤثر.
  • تقدير الجمال الداخلي: رؤية الجمال الحقيقي في الروح والشخصية.

خَليلَيَّ إِن قالَت بُثَينَةُ ما لَهُ

يقول جميل بثينة:

خَليلَيَّ إِن قالَت بُثَينَةُ ما لَهُ
أَتانا بِلا وَعدٍ فَقولا لَها لَها
أَتى وَهوَ مَشغولٌ لِعُظمِ الَّذي بِهِ
وَمَن باتَ طولَ اللَيلِ يَرعى السُهى سَها
بُثَينَةُ تُزري بِالغَزالَةِ في الضُحى
إِذا بَرَزَت لَم تُبقِ يَوماً بِها بَها
لَها مُقلَةٌ كَحلاءُ نَجلاءُ خِلقَةً
كَأَنَّ أَباها الظَبيُ أَو أُمَّها مَها
دَهَتني بِوِدٍّ قاتِلٍ وَهوَ مُتلِفي
وَكَم قَتَلَت بِالوُدِّ مَن وَدَّها دَها

أَلا قَد أَرى إِلّا بُثَينَةَ لِلقَلبِ

ويقول أيضاً:

أَلا قَد أَرى إِلّا بُثَينَةَ لِلقَلبِ
بِوادي بَدِيٍّ لا بِحِسمى وَلا شَغبِ
وَلا بِبُراقٍ قَد تَيَمَّمتَ فَاِعتَرِف
لِما أَنتَ لاقٍ أَو تَنَكَّب عَنِ الرَكبِ
أَفي كُلِّ يَومٍ أَنتَ مُحدِثُ صَبوَةٍ
تَموتُ لَها بُدِّلتُ غَيرَكَ مِن قَلبِ

سَأُضمِرُ وَجدي في فُؤادي وَأَكتُمُ

ويقول عنترة بن شداد العبسي:

سَأُضمِرُ وَجدي في فُؤادي وَأَكتُمُ
وَأَسهَرُ لَيلي وَالعَواذِلُ نُوَّمُ
وَأَطمَعُ مِن دَهري بِما لا أَنالُهُ
وَأَلزَمُ مِنهُ ذُلَّ مَن لَيسَ يَرحُمُ
وَأَرجو التَداني مِنكِ يا اِبنَةَ مالِكٍ
وَدونَ التَداني نارُ حَربٍ تَضَرَّمُ
فَمُنّي بِطَيفٍ مِن خَيالِكِ وَاِسأَلي
إِذا عادَ عَنّي كَيفَ باتَ المُتَيَّمُ
وَلا تَجزَعي إِن لَجَّ قَومُكِ في دَمي
فَما لِيَ بَعدَ الهَجرِ لَحمٌ وَلا دَمُ
أَلَم تَسمَعي نَوحَ الحَمائِمِ في الدُجى
فَمِن بَعضِ أَشجاني وَنَوحي تَعَلَّموا
وَلَم يَبقَ لي يا عَبلَ شَخصٌ مُعَرَّفٌ
سِوى كَبِدٍ حَرّى تَذوبُ فَأَسقَمُ
وَتِلكَ عِظامٌ بالِياتٌ وَأَضلُعٌ
عَلى جِلدِها جَيشُ الصُدودِ مُخَيِّمُ
وَإِن عُشتُ مِن بَعدِ الفُراقِ فَما أَنا
كَما أَدَّعي أَنّي بِعَبلَةَ مُغرَمُ
وَإِن نامَ جَفني كانَ نَومي عُلالَةً
أَقولُ لَعَلَّ الطَيفَ يَأتي يُسَلِّمُ
أَحِنُّ إِلى تِلكَ المَنازِلِ كُلَّما
غَدا طائِرٌ في أَيكَةٍ يَتَرَنَّمُ
بَكَيتُ مِنَ البَينِ المُشِتِّ وَإِنَّني
صَبورٌ عَلى طَعنِ القَنا لَو عَلِمتُ

عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ

ومن قصائده الخالدة:

عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ
ريحُ الصَبا وَتَقَلُّبُ الأَحوالِ
وَعَفا مَغانِيَها وَأَخلَقَ رَسمَها
تَردادُ وَكفِ العارِضِ الهَطّالِ
فَلَئِن صَرَمتِ الحَبلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ
وَسَمِعتِ فِيَّ مَقالَةَ العُذّالِ
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي
عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا في جاحِمٍ
تَهفو بِهِ وَيَجُلنَ كُلَّ مَجالِ
وَأَنا المُجَرَّبُ في المَواقِفِ كُلِّها
مِن آلِ عَبسٍ مَنصِبي وَفَعالي
مِنهُم أَبي شَدّادُ أَكرَمُ والِدٍ
وَالأُمُّ مِن حَامٍ فَهُم أَخوالي
وَأَنا المَنِيَّةُ حينَ تَشتَجِرُ القَنا
وَالطَعنُ مِنّي سابِقُ الآجالِ
وَلَرُبَّ قِرنٍ قَد تَرَكتُ مُجَدَّلاً
وَلَبانُهُ كَنَواضِحِ الجِريالِ
تَنتابُهُ طُلسُ السِباعِ مُغادَراً
في قَفرَةٍ مُتَمَزِّقِ الأَوصالِ
وَلَرُبَّ خَيلٍ قَد وَزَعتُ رَعيلَها
بِأَقَبَّ لا ضِغنٍ وَلا مِجفالِ
وَمُسَربَلٍ حَلَقَ الحَديدِ مُدَجَّجٍ
كَاللَيثِ بَينَ عَرينَةِ الأَشبالِ
غادَرتُهُ لِلجَنبِ غَيرَ مُوَسَّدٍ
مُتَثَنِّيَ الأَوصالِ عِندَ مَجالي

لَعوبُ بِأَلبابِ الرِجالِ كَأَنَّها

ويصف حبيبته قائلاً:

لَعوبُ بِأَلبابِ الرِجالِ كَأَنَّها
إِذا أَسفَرَت بَدرٌ بَدا في المَحاشِدِ
شَكَت سَقَماً كَيما تُعادُ وَما بِها
سِوى فَترَةِ العَينَينِ سُقمٌ لِعائِدِ
مِنَ البيضِ لا تَلقاكَ إِلّا مَصونَةً
وَتَمشي كَغُصنِ البانِ بَينَ الوَلائِدِ
كَأَنَّ الثُرَيّا حَينَ لاحَت عَشِيَّةً
عَلى نَحرِها مَنظومَةٌ في القَلائِدِ
مُنَعَّمَةُ الأَطرافِ خَودٌ كَأَنَّها
هِلالٌ عَلى غُصنٍ مِنَ البانِ مائِدِ
حَوى كُلَّ حُسنٍ في الكَواعِبِ شَخصُها
فَلَيسَ بِها إِلّا عُيوبُ الحَواسِدِ

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل

يقول امرؤ القيس:

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَبِ
ومُنخَفِضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَلِّ
وَزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت
عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَلوا
تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنهُ مُجَلجِلٌ
أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَلِ
بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ
ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل
فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشنِض وغَشنَضٍ
ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسلو
فِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
وَطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل
وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
وَفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ الرفَلو
وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل

لِمَن طَلَلٌ أَبصَرتُهُ فَشَجاني

ويقول في موضع آخر:

لِمَن طَلَلٌ أَبصَرتُهُ فَشَجاني
كَخَطِّ زَبورٍ في عَسيبِ يَمانِ
دِيارٌ لِهِندٍ وَالرَبابِ وَفَرتَنِي
لَيالِيَنا بِالنَعفِ مِن بَدَلانِ
لَيالِيَ يَدعوني الهَوى فَأُجيبَهُ
وَأَعيُنُ مَن أَهوى إِلَيَّ رَواني
فَإِن أُمسِ مَكروباً فَيا رُبَّ بَهمَةٍ
كَشَفتُ إِذا ما اِسوَدَّ وَجهُ جَبانِ
وَإِن أُمسِ مَكروباً فَيا رُبَّ قَينَةٍ
مُنَعَّمَةٍ أَعمَلتُها بِكِرانِ
لَها مِزهَرٌ يَعلو الخَميسَ بِصَوتِهِ
أَجَشُّ إِذا ما حَرَّكَتهُ اليَدانِ
وَإِن أُمسِ مَكروباً فَيا رُبَّ غارَةٍ
شَهِدتُ عَلى أَقَبِّ رَخوِ اللَبانِ
عَلى رَبَذٍ يَزدادُ عَفواً إِذا جَرى
مِسَحٍّ حَثيثِ الرَكضِ وَالزَأَلانِ
وَيَخدي عَلى صُمٍّ صِلابٍ مَلاطِسٍ
شَديداتِ عَقدٍ لَيِّناتِ مَتانِ
وَغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ حُوٍّ تِلاعُهُ
تَبَطَّنتُهُ بِشيظَمٍ صَلِتانِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعك
تَيسِ ظِباءِ الحُلَّبِ الغَذَوانِ
إِذا ما جَنَبناهُ تَأَوَّدَ مَتنُهُ
كَعِرقِ الرُخامى اِهتَزَّ في الهَطَلانِ
تَمَتَّع مِنَ الدُنيا فَإِنَّكَ فانِي
مِنَ النَشَواتِ وَالنِساءِ الحِسانِ

المصادر

  1. سارة عبابسة،بيئات الشعر في العصر الأموي، صفحة 64. بتصرّف.
  2. “خليلي إن قالت بثينة ما له”،الديوان.
  3. “ألا قد أرى إلا بثينة للقلب”،الديوان. بتصرّف.
  4. “سأضمر وجدي في فؤادي وأكتم”،الديوان.
  5. “عفت الديار وباقي الأطلال”،الديوان.
  6. “لعوب بألباب الرجال كأنه”،الديوان.
  7. “لمن طلل بين الجدية والجبل”،الديوان.
  8. “لمن طلل أبصرته فشجاني”،الديوان.
Total
0
Shares
المقال السابق

فهم العلاقة العذرية: مفهوم وأبعاد

المقال التالي

تعزيز المودة الزوجية بعد عقد القران

مقالات مشابهة

أجمل قصائد الشعر العربي الفصيح

تُعدّ هذه القصائد من أروع ما أنتج الشعراء العرب في مجال الشعر الفصيح، وتُعتبر كنوزًا أدبية تُظهر روعة اللغة العربية وحلاوة بلاغتها، وتُخلّد مشاعر الحب والهجر والوفاء التي سكنت القلوب العربية منذ القدم.
إقرأ المزيد