لمحة عن الحارث المحاسبي
الحارث المحاسبي، قامة شامخة في علم العقيدة والتصوف، يُعدّ من أبرز علماء القرن الثالث الهجري. هو الحارث بن أسد بن عبد الله العنزي البصري البغدادي، ويكنى بأبي عبد الله الزاهد البغدادي. لقبه “المحاسبي” يعكس دأبه على محاسبة نفسه ومراجعتها باستمرار، تجسيدًا لورعه وتقواه. تتلمذ على يديه العديد من العلماء، ويُقال أنه كان مرجعًا لأكثر أهل بغداد في عصره. ترك المحاسبي إرثًا ثريًا من المؤلفات في مجالات الحديث والفقه والعقيدة، وقد عاصر الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله.
مسيرة حياة الحارث المحاسبي
فيما يلي عرض لأهم المحطات في حياة الحارث المحاسبي، بدءًا بنشأته ووصولًا إلى وفاته، مع إبراز جوانب من علمه وفضله:
- المولد والنشأة: ولد الحارث بن أسد المحاسبي في عام 165 هـ، الموافق تقريبًا لعام 781 م، في فترة ازدهرت فيها العلوم وتكاثر العلماء والمفكرون في عهد المهدي العباسي.
- الرحلة في طلب العلم: سافر المحاسبي إلى البصرة وبغداد طلبًا للعلم، حيث كانت تشهد آنذاك حراكًا فكريًا واسعًا. نهل من مختلف الثقافات والمعارف، ودرسها باجتهاد وإخلاص، ليؤسس لنفسه ثقافة إسلامية ومنهجًا راسخًا.
- إتقان علم الحديث: برع المحاسبي في علم الحديث، وشهد له العلماء بحسن علمه ودرايته فيه، وقد روى بعض الأحاديث بإسناده.
- الورع والتقوى: عُرف عن المحاسبي ورعه الشديد، ومن القصص التي تجسد ذلك، أنه رفض أن يأخذ شيئًا من تركة والده التي بلغت سبعين ألف درهم، رغم حاجته للمال، وذلك لأن والده كان قدريًا يخالفه في بعض المعتقدات، وكان يرى أنه لا يجوز التوارث بين أهل ملتين مختلفتين.
- الوفاة: توفي المحاسبي في عام 243 هـ، الموافق لعام 857 م، عن عمر يناهز 78 عامًا.
إسهامات الحارث المحاسبي العلمية
بلغت مؤلفات الحارث المحاسبي ما يقارب 200 مصنف، غطت العديد من المجالات المتنوعة. فيما يلي أبرز الكتب والمخطوطات التي تركها لنا:
مؤلفاته المطبوعة
من بين الكتب التي ألفها:
- كتاب الوصايا.
- كتاب رسالة المسترشدين (كيف يتقرب العبد إلى ربه).
- كتب فهم القرآن ومعانيه (في علم المكان).
- كتاب المسائل في أعمال القلوب والجوارح.
- كتاب بدء من أناب إلى الله.
- كتاب معاتبة النفوس.
- كتاب التوهم.
- كتاب مائية العقل وحقيقة معناه واختلاف الناس فيه.
- كتاب البعث والنشور.
- كتاب المكاسب والورع والشبهة وبيان مباحها ومحظورها.
مخطوطاته القيمة
من بين مخطوطاته:
- آداب النفوس.
- أحكام التوبة.
- رسالة التصوف- التنبيه على أعمال القلوب والجوارح.
- الخصال العشرة التي جربها أهل المحاسبة.
- الرد على بعض العلماء من الأغنياء حيث احتجوا بأغنياء الصحابة.
- شرح المعرفة وبذل النصيحة.
- فصل من كتاب العظمة.
- محاسبة النفوس.
- مختصر المعاني.
- المراقبة والمحاسبة.
- النصيحة للطالبين.
- فهم الصلاة.
مقتطفات من أقوال الحارث المحاسبي
اشتهرت العديد من الأقوال المأثورة عن المحاسبي، خاصة بين أتباع التصوف. ومن أهم هذه الأقوال:
- “أنيسُك اليوم هو أنيسك غدًا في قبرك، وعملُك اليوم هو عملك غدًا؛ فانظر من أنيسك وما عملك.”
- “مَا تزين أحد بزينة كالعقل، وَلَا لبس ثوبًا أجمل من الْعلم، لِأَنَّهُ مَا عرف الله إِلَّا بِالْعقلِ وَلَا أطيع إِلَّا بِالْعلم.”
- “أصدق في الطلب ترث علم البصائر، وتَبْدُ لك عيون المعارف، وتميّزْ بنفسك عِلْم ما يرد عليك بخالص التوفيق.”
- “كل عقل لا يصحبه ثلاثة أشياء فهو عقل مكَّار: إيثار الطاعة على المعصية، وإيثار العلم على الجهل، وإيثار الدين على الدنيا.”
- “المحبة ميلك إلي المحبوب بكليتك، ثم إيثارٌ له علي نفسك وزوجك ومالك، ثم موافقتك له سرّاً وجهراً، ثم علمك بتقصيرك في حبه.”
- “خيار هذه الأُمةِ الذين لا تشغُلهم آخِرتهم عن دنياهم؛ ولا دنياهم عن آخِرتِهم.”
- “من طبع على البدعة متى يشيع فيه الحق؟”
- “ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين، وتركها مع نسيانها صفة العارفين.”
- “جوهر الإنسان الفضل، وجوهر العقل التوفيق.”
- “من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص، زين الله ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة.”
- “من أراد أن يذوق لذة معاشرة أهل الجنة فليصحب الفقراء الصادقين”.
أبرز تلاميذ الحارث المحاسبي
نذكر فيما يلي أسماء بعض العلماء الذين تتلمذوا على يد الحارث المحاسبي، أو أخذوا عنه، أو سمعوا به، حيث كان قدوةً ومعلمًا للكثيرين منهم:
- الجنيد البغدادي.
- ابن مسروق.
- الحسين بن صالح بن خيران الفقيه.
- أحمد بن الحسن الصوفي.
- أحمد بن القاسم بن نصر الفرائضي.
- إسماعيل بن إسحاق السراج.
