محفزات الكرم لدى العرب
تعتبر صفة الكرم إحدى الخصال البارزة التي تميزت بها الشخصية العربية، حيث كان العرب يتفاخرون بالجود والعطاء. ارتبط الكرم بأسماء عظماء القوم الذين رفعوا من شأن العرب وأصبحوا مثالاً يُحتذى به. هناك عدة عوامل ساهمت في ترسيخ هذه القيمة في المجتمع العربي، من بينها:
تأثير البيئة الاجتماعية
انتشرت في المجتمعات العربية العديد من الصفات النبيلة، وكان الكرم والسخاء في مقدمتها. أحد الأسباب الرئيسية هو التأثر بالأفعال الحميدة للآباء والأجداد. نشأ الأفراد على حب الخير ورغبوا في ترك بصمة إيجابية في المجتمع من خلال هذه الخصال المحمودة، وكان الكرم من أكثرها تأثيراً في النفوس.
كما أن النزاعات والحروب المتكررة أدت إلى انتشار الفقر والحاجة، مما زاد من إحساس الناس ببعضهم البعض. كانوا يشعرون بمعاناة الجوع والبرد، ويدركون قيمة توفير الطعام والمساعدة للمحتاجين وعابري السبيل. تقديم العون كان يعتبر واجباً إنسانياً يهدف إلى إنقاذ الأرواح وسد الرمق. لذلك، عظموا الكرم وإطعام الطعام، وجعلوا الكرماء في مكانة عالية.
أثر الظروف الجغرافية
تمتاز البيئة العربية بصحاريها القاحلة وقلة الموارد المائية. هذا الأمر دفع السكان إلى التنقل المستمر بحثًا عن الماء والكلأ. نتيجة لذلك، أدرك العربي أهمية إكرام الضيف، وإغاثة المحتاج، ونصرة المظلوم، وغيرها من القيم النبيلة. تشبثوا بهذه القيم ونشروها على أمل أن يعود عليهم خيرها ويشملهم أثرها في نهاية المطاف.
شخصيات عربية اشتهرت بالكرم
تاريخنا العربي يزخر بالعديد من الشخصيات التي عُرفت بالكرم والجود. فيما يلي بعض الأمثلة البارزة:
حاتم الطائي: رمز الكرم والجود
يُكنى حاتم الطائي بأبي عدي وأبي سمانة، وهو شاعر جاهلي مشهور بجوده وكرمه. أصبح اسمه مرادفًا للكرم، وإذا ذكر الكرم ذكر حاتم الطائي. تروى عنه الكثير من القصص التي تجسد سخائه وعطائه اللامحدود.
ورد في الروايات أن أحد قياصرة الروم سمع عن كرم حاتم الطائي، فتعجب من ذلك. وبلغ القيصر أن حاتم يمتلك فرسًا أصيلة ذات قيمة عالية، فأرسل إليه يطلبها كهدية، بهدف اختبار كرمه. عندما وصل رسول القيصر إلى ديار طيء، سأل عن بيت حاتم ودخل عليه. استقبله حاتم ورحب به دون أن يعلم أنه مبعوث الملك. وبما أن المواشي كانت في المراعي ولم يتمكن حاتم من إعداد وليمة مناسبة لضيفه، قام بنحر فرسه وأشعل النار. ثم دخل على ضيفه وتحدث معه، فأخبره الرسول بأنه مبعوث قيصر وأنه جاء ليطلب الفرس. حزن حاتم لذلك وقال: “هلا أعلمتني قبل الآن فإني قد نحرتها لك، إذ لم أجد جزورًا غيرها بين يدي”. فتعجب الرسول من سخائه وقال: “والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا”.
كعب بن مامة الإيادي: مثال الإيثار والتضحية
هو أبو دؤاد كعب بن مامة بن عمرو بن ثعلبة الإيادي، وينتمي إلى قبيلة إياد. عُرف بكرمه وسخائه بين قومه، وأصبح مضربًا للمثل في الجود والعطاء. تشتهر قصته “اسق أخاك النمري” التي تجسد قمّة الإيثار، حيث ضحى بنفسه وآثر رفيقه بالماء حتى هلك من شدة العطش.
تتلخص القصة في أن كعبًا سافر مع جماعة في يوم شديد الحر، ونفد منهم الماء إلا القليل. كان مع كعب رجل من بني النمر. عندما حان دور كعب في الشرب، نظر إليه النمري، فقال كعب للساقي: “اسق أخاك النمري”. ففعل ذلك مرارًا حتى نفد الماء، فسقط كعب ميتًا من العطش.
هذه القصة تجسد أسمى معاني الإيثار والتضحية بالنفس في سبيل الآخرين.
المراجع
- أبومحمد عبد الرحيم ،كتاب الكرم والجود عند العرب، صفحة 122_178.
- محمد عبد الرحيم ،كتاب الكرم والجود عند العرب، صفحة 78_155.
- أبي صالح بحيى الطائي،ديوان حاتم الطائي، صفحة 7-8.
- أبي صالح بحيى الطائي،ديوان حاتم الطائي، صفحة 18.
- أبابن سعيد المغربي،نشوة الطرب في تاريخ جاعلية العرب، صفحة 665.