تعريف المثالية في الشريعة الإسلامية
يمكن فهم المثالية في السياق الإسلامي على أنها تلك الدفعة الداخلية التي تحث الإنسان على السعي نحو أقصى درجات الرقي والكمال البشري. يتحقق ذلك من خلال توجيه الأقوال والأفعال والسلوكيات والأفكار والميول وفقًا للأسس والضوابط التي أرساها الدين الإسلامي.
تتألف هذه المثالية من عنصرين أساسيين يشكلان بنيتها وهما:
- الاعتدال: وهو البعد عن الإفراط والتفريط، وإعطاء كل جانب من جوانب الحياة حقه دون مبالغة، مع مراعاة احتياجات الجسد والروح على حد سواء، دون تغليب جانب على آخر.
- الشمول: تسعى المثالية في الإسلام إلى تحقيق الكمال الممكن للإنسان في جميع مناحي الحياة، بحيث يعطي كل جانب حقه، دون أن يطغى جانب على آخر. لقد عاش الصحابة -رضوان الله عليهم- هذه المثالية في حياتهم، فلم يحبسوا أنفسهم في زاوية معينة أو عبادة محددة.
فهم الواقعية في الشريعة الإسلامية
تُعرف الواقعية في الإسلام بأنها الأخذ في الاعتبار طبيعة الإنسان، وعدم إغفال الفروق والاختلافات بين الناس في استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي رسمه الإسلام. يوجد حد أدنى من الكمال يجب على المسلم أن يلتزم به لتكوين شخصية إسلامية متزنة وسوية. لقد وضع الإسلام فرائض يمكن لأقل الناس قدرة فعلها.
تتجلى الواقعية في التيسير ورفع الحرج، حيث لم يجعل الإسلام جميع العبادات في مرتبة الواجبات والفرائض. حتى الفرائض نفسها يستطيع أقل الناس طاقة وقدرة القيام بها، كالصلاة المفروضة والصيام المفروض في شهر رمضان. وكذلك الأمر في المحرمات التي يجب اجتنابها، وهذا هو الحد الأدنى الذي يشكل شخصية المسلم ويجعله مستعدًا لفعل الخير وتجنب الشر.
يوجد مستوى أعلى ترغب الشريعة في أن يصل إليه المسلم، إلا أن الإسلام لم يلزمه به حتى لا يوقعه في حرج شديد أو يسبب له إرهاقًا، وهذا يتفق مع واقعية الإسلام. هذا المستوى يتمثل في المندوبات التي تحث الشريعة على فعلها والقيام بها، كالصلاة المندوبة مثل التطوع، والصيام في غير شهر رمضان مثل الأيام الستة من شوال وغيرها من النوافل.
تجليات المثالية والواقعية في الشريعة الإسلامية
إن من أبرز سمات الشريعة الإسلامية أنها دين يجمع بين الواقعية والمثالية. تتجلى هذه الواقعية والمثالية في النقاط التالية:
- تنبع واقعية الإسلام من كونه سلوكًا يعيشه الإنسان في حياته اليومية بطبيعته دون تكلُّف، بينما تظهر مثاليته في كونه دينًا يسعى نحو إصلاح المجتمع ورفض العيش في مجتمع الرذيلة والخطأ والمحاباة.
- تتجلى واقعية الإسلام في ملاءمة تشريعاته للفطرة الإنسانية، وتلبية رغبات الإنسان وحاجاته وفقًا للشريعة الإسلامية. فالله -عز وجل- يعلم حاجات الإنسان، وجعل لكل حاجة منها تطبيقًا شرعيًا، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
- تتجلى واقعية ومثالية الإسلام في مكافحة الآفات السلوكية في المجتمع بالتدريج وليس دفعة واحدة، مثل التدرج في تحريم الخمر، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾، ثم تحريمها في الصلاة وسائر النهار في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾، ثم تحريم شرب الخمر على المسلمين حرمة تامة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾.
المصادر والمراجع
- عبدالكريم زيدان، أصول الدعوة، صفحة 71-75. بتصرّف.
- شحاتة صقر، شريعة الله لا شريعة البشر، صفحة 51. بتصرّف.
- منقذ السقار، تعرف على الإسلام، صفحة 47-49. بتصرّف.