الجماليات البلاغية في خواتيم سورة البقرة

استكشاف الجماليات البلاغية والتصوير الفني في الآيات الأخيرة من سورة البقرة. تحليل فني للآيات 200 و 222 و 223 و 261 و 275.

استعراض الجماليات البلاغية في أواخر سورة البقرة

عندما نتأمل آيات سورة البقرة، نجد أنفسنا أمام معانٍ عميقة وبلاغة فائقة. يتجلى لنا هذا الجمال في الصور الفنية الرائعة التي تزين هذه الآيات. سنقوم بتوضيح بعض هذه الجماليات في الآيات الأخيرة من سورة البقرة، وتحديدًا من الآية 200 إلى الآية 275.

التحليل البلاغي في الآية 200

يتجلى جمال التصوير في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.[١]

نوع التشبيه في هذه الآية هو تشبيه مرسل مجمل. فالمشبه هو ذكر الله، والمشبه به هو ذكر مفاخر الآباء، والأداة هي الكاف. وجه الشبه محذوف، ويمكن تقديره بشدة الذكر للآباء. الغرض من التشبيه هو توضيح مقدار المشبه، أي الأمر بذكر الله كما يذكر الناس مفاخر آبائهم، بل وأكثر.

التحليل البلاغي في الآية 222

يظهر الجمال البلاغي في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}.[٢]

التشبيه في قوله “قل هو أذى” هو تشبيه مؤكد بليغ، حيث حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه. المشبه هو الضمير “هو” العائد على الحيض، والمشبه به هو الأذى. يمكن تقدير الأداة بالكاف، ووجه الشبه بالضرر، أي “الحيض شيء كالأذى في الضرر”. الغرض من هذا التشبيه هو بيان صفة المشبه، لأن المشبه مبهم، وقد وصل هذا التشبيه إلى درجة عالية من الصحة والحسن لأن وجه الشبه في المشبه به أقوى مما هو في المشبه.

التحليل البلاغي في الآية 223

يتجلى التصوير البديع في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.[٣]

هذا تشبيه بليغ حذف فيه الأداة ووجه الشبه. المشبه هو النساء، والمشبه به هو الحرث. الأداة ووجه الشبه محذوفان، ويمكن تقديرهما بالكاف والمزرعة. الغرض من التشبيه هو بيان حال المشبه بتشبيه النساء بالحرث في المزرعة.

التحليل البلاغي في الآية 261

تبرز روعة التصوير الفني في قوله تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.[٤]

التشبيه في هذه الآية هو تشبيه تمثيلي بأركانه الكاملة. المشبه هو حال المنفقين أموالهم في سبيل الله، والمشبه به هو حال الحبة التي أنبتت سبع سنابل، والأداة هي الكاف. وجه الشبه هو المضاعفة والزيادة الكبيرة في العطاء. ومعنى التشبيه هو بيان التقاطع بين من ينفقون أموالهم في سبيل الله، وبين الحبة التي تنبت سبع سنابل، ومنها يأتي أضعاف نبتها.

التحليل البلاغي في الآية 275

يظهر الجمال البلاغي في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.[٥]

نوع التشبيه في هذه الآية هو تشبيه تمثيلي بعيد. المشبه في الآية هم آكلو الربا، والمشبه به هو الذي يتخبطه الشيطان. وجه الشبه منتزع من متعدد: القيام باللمس الشيطاني أو الجنون، وهيئتهم يوم القيامة كالمجانين. ومعناه أنهم يقومون يوم القيامة مختلين كالمصروعين، أي كأن آكلي الربا عند خروجهم من قبورهم كمن أصابه مس فاختل طبعه، وصار يترنح في مشيته ويتخبط في خطواته، تمامًا كشارب الخمر السكران، ثم يسقط على وجهه من سوء المصير، والجزاء عادة من جنس العمل.

الصورة البلاغية في القرآن الكريم

إن الصورة البلاغية في القرآن الكريم تخاطب الكيان الإنساني بكل ما فيه من عقل وحس ووجدان. وقد قسمت أنواع الصورة إلى قسمين رئيسيين:

  1. الصورة المفردة: هي الصورة البلاغية المتمثلة في التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل والمجاز العقلي، وهي الأنواع البلاغية التي اعتمدها القدماء في تحليل الصورة.[٦][7]
  2. الصورة السياقية: وهي أعم وأشمل من الصورة المفردة، وتشمل صورة المشهد واللوحة والصورة الكلية، وصولًا إلى الصورة المركزية التي ترجع إليها جميع الصور. بهذا، يتوسع مفهوم الصورة لتكون قادرة على تحقيق وظيفتها الدينية، وتعتمد هذه الأنواع على نظام العلاقات بينها، فالصورة المفردة تنمو وتكبر في السياق لتكوّن صورة المشهد، التي بدورها تتفاعل مع السياق.[8]

المصادر

  1. سورة البقرة، آية:200
  2. سورة البقرة، آية:222
  3. سورة البقرة، آية:223
  4. سورة البقرة، آية:261
  5. سورة البقرة، آية:275
  6. عبد السلام أحمد الراغب، وظيفة الصورة الفنية في القرآن، صفحة 55. بتصرّف.
  7. عبد السلام أحمد الراغب، وظيفة الصورة الفنية في القرآن، صفحة 57-58. بتصرّف.
  8. عبد السلام أحمد الراغب، وظيفة الصورة الفنية في القرآن، صفحة 79. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

تحليل فني: البلاغة في لامية العرب

المقال التالي

التعبيرات الفنية في قصيدة المساء

مقالات مشابهة