تقديم حول الواقعية الجديدة
الواقعية، في جوهرها، تعني تمثيل العالم كما هو، محاولة لعكس حقيقته دون تجميل أو تشويه. في الأدب، تعكس هذه النزعة رغبة الأدباء في تصوير الحياة بكل ما فيها من جمال وقبح، خير وشر، أمل ويأس. إنها تسعى لالتقاط جوهر التجربة الإنسانية، وتقديمها للقارئ بصورة صادقة وأمينة.
في سياق تطور الفكر، ظهرت الواقعية كمفهوم فلسفي قبل أن تجد طريقها إلى عالم الأدب. يرتبط هذا المفهوم في الفلسفة بكانط، الذي رأى فيه ردًا على المثالية المفرطة. ومع ذلك، فإن الألمان كانوا من أوائل من استخدموا مصطلح “الواقعية” في المجال الأدبي، وإن كان ذلك في بداياته بشكل غير محدد.
خلال القرن التاسع عشر، تبلورت الأسس الجوهرية للتيار الواقعي، وتميزت بوضوح عن التيارات الأدبية السابقة مثل الكلاسيكية والرومانسية. لقد شكلت ثورة في طريقة النظر إلى الأدب ودوره في المجتمع.
ملامح التيار الواقعي الجديد
يمتاز التيار الواقعي في الأدب بعدة سمات بارزة تجعله مميزًا عن غيره من التيارات. من أبرز هذه السمات:
- التصوير والتحليل: التركيز على تصوير الأحداث، الوقائع، الأشياء، والطبائع بدقة وعمق.
- وصف طبيعة الإنسان والواقع: تقديم تصوير أمين للحياة الواقعية بكل تفاصيلها وتعقيداتها، وتحويلها إلى عمل فني يعكس الواقع بأمانة.
- تجنب العواطف الشخصية: الابتعاد عن الذاتية والمبالغة في التعبير عن المشاعر، والتركيز على الموضوعية في تصوير الأحداث والشخصيات. وهذا ما يميزها عن التيار الرومانسي.
- الكشف عن أمراض المجتمع: تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعية والعيوب الموجودة في المجتمع، وفضح الظواهر السلبية الكامنة وراء المظاهر الخادعة.
- التركيز على الحقائق الإنسانية: إبراز الجوانب الحقيقية للطبيعة البشرية، بكل ما فيها من نقاط قوة وضعف، خير وشر.
المدارس المتفرعة من الواقعية
تفرعت عن التيار الواقعي عدة اتجاهات مختلفة، كل منها يركز على جانب معين من الواقع أو يعتمد على منهجية معينة في تصويره. من أهم هذه الاتجاهات:
- الواقعية النقدية: تركز على نقد المجتمع وإبراز مشكلاته وقضاياه التي ترى أنها تعكس فساده. تنظر هذه المدرسة إلى الشر باعتباره عنصرًا أساسيًا في الحياة، وتسعى للكشف عن حقيقة البشر من خلال إبراز هذا العنصر في الأعمال الأدبية. تهتم بالكشف عن الواقع فقط دون محاولة إصلاحه أو تغييره.
- الواقعية الطبيعية: تتأثر بشكل كبير بالنظريات العلمية التجريبية، وتحاول تطبيقها على الأدب. ترى أن الإنسان كائن تحركه الغرائز والحاجات العضوية، وتعرض الطبيعة الإنسانية والحياة في العمل الأدبي بطريقة علمية.
- الواقعية الاشتراكية: تعتمد على الفلسفة المادية الشيوعية، وترى أن الأدب والفكر يجب أن يخدما المجتمع ويهتما بالطبقات العاملة والفلاحين. تسلط الضوء على الصراع الطبقي بين هذه الطبقات وطبقة الرأسماليين والبرجوازية، اللتين تعتبرهما مصدر الشر في الحياة.
نظرة نقدية للواقعية الأدبية
على الرغم من أهمية التيار الواقعي في الأدب، إلا أنه لم يسلم من النقد. يمكن تلخيص أبرز الانتقادات الموجهة إليه في النقاط التالية:
- المبالغة في المطابقة مع الواقع: قد يؤدي التركيز المفرط على تصوير الواقع إلى جعل الأدب مجرد نسخة طبق الأصل منه، مما يفقده قيمته الفنية والإبداعية.
- وصف الأمور الغريبة والبشعة: قد يؤدي التركيز على الجوانب السلبية والمشكلات الاجتماعية إلى تقديم صورة مشوهة للواقع، وإغفال الجوانب الإيجابية والمشرقة فيه.
المصادر
- أبعباس خضر،الواقعية في الأدب، صفحة 3-24. بتصرّف.
- أبصلاح فضل،منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، صفحة 9-15. بتصرّف.
- يوسف عوض،نظرية النقد الأدبي الحديث، صفحة 31-43. بتصرّف.
- عباس خضر،الواقعية في الأدب، صفحة 9. بتصرّف.