تمهيد حول الاستعداد لرمضان
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ونسأله التوفيق والسداد في القول والعمل. إن شهر رمضان المبارك على الأبواب، وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار. فما أجمل أن نستعد لاستقبال هذا الشهر الفضيل بقلوب خاشعة ونفوس تواقة إلى الخير.
توصية بتقوى الله عز وجل
أوصيكم عباد الله بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فهي خير زاد ليوم المعاد. اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا بدينكم، فإن الفوز العظيم هو للمتقين. يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾.
القسم الأول: أهمية الاستعداد لشهر رمضان
أيها المسلمون، إن الله عز وجل قد منّ علينا بإدراك شهر رمضان، وهذا فضل عظيم يستوجب الشكر والثناء. فالعبد يترقى في الدرجات بفضل الأعمال الصالحة التي يقوم بها في هذا الشهر الكريم. إن إدراك رمضان نعمة عظيمة تستحق منا الشكر والتقدير، وأفضل طريقة لشكر الله على هذه النعمة هي استثمار هذا الشهر بما يرضي الله تعالى.
إن الاستعداد الجيد لشهر رمضان يكمن في حسن استقباله. فرمضان ضيف كريم ولكنه سريع الرحيل. فالذكي هو من يبدأ الاستعداد قبل قدومه. كان السلف الصالح يعظمون استقبال رمضان ويخططون لاستغلال كل لحظة فيه قبل حلوله.
يذكر أن عمرو بن قيس الملائي كان إذا دخل شهر شعبان أغلق متجره وتفرغ لقراءة القرآن. وهذا دليل على أهمية تخصيص الوقت للعبادة والاستعداد الروحي. ومن الاستعداد الجيد لشهر رمضان هو عقد النية على فعل الخيرات والأعمال الصالحة، والأخذ بالأسباب التي تساعد على تحقيق هذه النوايا. فلينو المسلم الإكثار من قراءة القرآن، والتوبة الصادقة إلى الله، وتحسين الخلق مع الناس، وجعل رمضان بداية جديدة لحياة أفضل.
كما يجب على المسلم أن يعود نفسه على الصيام في شهر شعبان، اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد سأل أسامة بن زيد رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسولَ اللَّهِ: لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).
وقد أوضح الإمام ابن رجب الحنبلي الحكمة من صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان، حيث قال: “إن صيام شعبان بالنسبة لرمضان كالسنة القبلية لصلاة الفريضة، ولتتمرن الأجسام على الصيام فتدخل شهر رمضان بقوة ونشاط لا بضعف وهزالة”.
من الأمور الهامة أيضاً في الاستعداد لشهر رمضان هو قضاء كافة الأمور التي قد تشغل المسلم عن العبادة في رمضان، مثل شراء الحاجيات الضرورية والتسوق للعيد، وذلك حتى لا تضيع أوقات ثمينة في غير طاعة الله. فقد كان العديد من السلف الصالح يجمعون المال قبل رمضان لكي يتفرغوا للعبادة.
يُستحسن كذلك وضع خطة مفصلة لأعمال رمضان، تشمل أنواع الطاعات المختلفة، كالصدقة، وأعمال البر، وصلة الرحم، والإحسان إلى الآخرين، وطلب العلم، والمحافظة على صلاة الجماعة في المسجد، وقراءة القرآن الكريم، وغيرها من الأعمال الصالحة.
يجب على المسلم الإقلاع عن جميع الذنوب والمعاصي وتجنبها، تعظيماً لشهر رمضان واستعداداً للتوبة الصادقة إلى الله. فالذنوب تحرم المسلم من الطاعات، وكم من ذنب حرم صاحبه خيراً كثيراً. كما ينبغي على المسلم أن يروض نفسه على ترك الملهيات، وخاصةً الأمور التافهة والمسلسلات الهابطة ومواقع التواصل التي لا فائدة منها، بل تضر أكثر مما تنفع.
إخواني، استعدوا وتأهبوا، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿وَلَو أَرادُوا الخُروجَ لَأَعَدّوا لَهُ عُدَّةً وَلـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقيلَ اقعُدوا مَعَ القاعِدينَ﴾.
القسم الثاني: اغتنام نفحات رمضان
الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الكرام. أما بعد، فاجتهدوا عباد الله في الطاعات والقربات، فإن رمضان فرصة عظيمة لا تعوض. استعدوا لهذا الشهر الكريم خير استعداد، وأحسنوا استقبال هذا الضيف العزيز، فهو سريع الزوال.
تذكر يا عبد الله أنك تسير حتماً نحو الموت، وأنك ستزور قبراً موحشاً ضيقاً. فيا سعادتك لو كان حظك من الأعمال الصالحة وفيراً. اجعل نصب عينيك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ لتعيش مرتاح البال. واتخذ شعاراً لك ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرَى﴾ لتستقيم أعمالك. والزم قوله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ لترتقي منازلك في الجنة.
أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
الدعاء والرجاء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا وارحمنا وعافنا واعف عنا واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم.
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أحسن حال، اللهم سلمنا لرمضان وتسلمه منا، اللهم وأعده علينا أعواما مديدة وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا فيه للعمل الصالح الذي تحب وترضى.
إلهنا غير برمضان أحوالنا وأكرمنا به يا أكرم الأكرمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾.
فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.
المصادر
- سورة التوبة، آية:119
- النسائي، سنن النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:2356 ، حسن.
- سورة العلق، آية:8
- سورة العلق، آية:14
- سورة العلق، آية:19
- سورة الأحزاب، آية:56
- سورة النحل، آية:90