علم اللسانيات
اللغة، بشكل عام، هي وسيلة التواصل الأساسية بين البشر. أما علم اللسانيات، فقد بدأ بالظهور مع العالم دي سوسير في القرن التاسع عشر الميلادي، وهو يدرس اللغة بأسلوب علمي ومنهجي. يهتم هذا العلم باللغة ذاتها، ويدرسها لذاتها، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ اللغة وتطورها. يعتمد علم اللسانيات على وضع الفرضيات ودراستها وإثباتها أو نفيها؛ بهدف الوصول إلى نظريات علمية تخدم اللغة وتطورها. تكمن وظيفة علم اللسانيات في تقسيم اللغة إلى مستوياتها الأساسية، وهي: المستوى الصوتي، والمستوى النحوي، والمستوى الصرفي، والمستوى الدلالي. يعتمد الباحثون في هذا المجال على منهج علمي واضح لإثراء القاعدة اللغوية وتطويرها.
كرم الله العرب بأن جعل رسول الأمة وهاديها منهم، واختار له القرآن الكريم معجزة، وجعل لغته الفصيحة -ذات السهولة الممتنعة- أداة التواصل والمعرفة بين البشر، ومن ناحيةٍ أخرى هي نظامٌ متكامل من الكلمات والجمل والفقرات التي يربط بينها النحو والصرف والدلالة والصوت، تهدف إلى إيصال المعلومات، وفهم المعاني المبهمة فهماً صحيحاً سليماً.
أصناف علم اللسانيات
ينقسم علم اللسانيات إلى نوعين رئيسيين:
- اللسانيات الوصفية: تهتم بوصف اللغة في فترة زمنية محددة، مع التركيز على الجوانب الظاهرية للغة، مثل الأصوات والتراكيب اللغوية.
- اللسانيات التاريخية: تتبع تطور اللغة عبر التاريخ، وتحدد طبيعة التغيرات التي طرأت عليها وتصنفها.
تتداخل اللسانيات مع علوم أخرى مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الفيزياء، وعلم الأجناس، حيث أن تطور اللغة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور العقل والمجتمع. هذا الترابط يجعل الفصل بين علم اللسانيات والعلوم الأخرى أمراً صعباً.
مفهوم فقه اللغة
يشير فقه اللغة إلى الفهم الصحيح والدقيق للغة، مع دراسة المستويات الصوتية والصرفية والدلالية والنحوية، ومتابعة تطورها. يتضمن أيضاً البحث في المعاجم والفهارس عن المعاني والاشتقاقات والترادف، بالإضافة إلى علوم البلاغة، مع الحفاظ على الوظيفة الأساسية للغة ومصادرها.
يرتبط ظهور مصطلح فقه اللغة بابن فارس، في القرن الرابع الهجري، والذي ذكره لأول مرة في كتابه “الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها”. وقد اعتبر العلماء والباحثون أن شرح النصوص الشعرية وتناول مفرداتها يندرج تحت مصطلح فقه اللغة، بالإضافة إلى النظر في تاريخ اللغة وأصلها وتطورها ونشأتها، والعلاقة بينها وبين اللغات الأخرى. تهدف هذه النظرة إلى الحصول على رأي نقدي سليم وحكم دقيق على الأديب.
الغايات من فقه اللغة
يهدف فقه اللغة إلى تحقيق عدة أمور، منها:
- تعويد الباحث على التدقيق في المصطلحات والمعاني، لإثراء معجمه اللغوي الذاتي وتمكينه من التعبير بشكل أفضل.
- تأصيل اللفظ السليم للمفردات وضبطها.
- معرفة التاريخ العام لتطور اللغة العربية وفترات ازدهارها.
- تيسير استيعاب اللغة وفهمها لدى المتعلمين والدارسين.
نستخلص مما سبق أن علم اللسانيات وفقه اللغة هما علمان متكاملان، ويصعب الفصل بينهما بشكل قاطع. يرى بعض العلماء أنهما وجهان لعملة واحدة، أو مصطلحان يعبران عن مفهوم واحد. الفروق بينهما دقيقة، حيث أن فقه اللغة مصطلح أقدم زمنياً من علم اللسانيات. يصف بعض علماء اللغة فقه اللغة بأنه علم مقارن، بينما علم اللسانيات علم تركيبي. اقتصر بحث علماء فقه اللغة على التاريخ الخاص باللغة، بينما علماء علم اللسانيات يقومون ببحث وصفي تقريري.
إن دراسة التمييز بين علم اللسانيات وفقه اللغة تتطلب تركيزاً وجهداً كبيرين، نظراً لدقة المصطلحين وتداخلهما. تعتبر هذه الدراسة من الدراسات الضرورية للباحثين العرب، بهدف تفسيرها وتمحيصها، مما يساهم في الحفاظ على اللغة العربية واستكشاف أسرارها.