التمييز بين صلاة الوتر وقيام الليل

استكشف الفروقات الجوهرية بين صلاة الوتر وقيام الليل. تعرف على الأحكام الشرعية، الكيفية، عدد الركعات، والتوقيت لكل منهما.

مقدمة

تعتبر صلاة الوتر وقيام الليل من العبادات المستحبة في الإسلام، ولها فضل عظيم عند الله. يتبادر إلى ذهن الكثيرين سؤال حول الفرق بين هاتين الصلاتين، وما هي الأحكام المتعلقة بكل منهما. يهدف هذا المقال إلى توضيح الفروق الجوهرية بين صلاة الوتر وقيام الليل، مع ذكر أوجه التشابه بينهما، وذلك بالاستناد إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية.

اختلاف الحكم الشرعي بين صلاة الوتر وقيام الليل

تُعتبر صلاة الوتر جزءاً من صلاة الليل، وهي بمثابة الخاتمة لها. وقد اتفق جمهور العلماء على أن قيام الليل سنة مؤكدة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

أما بالنسبة لصلاة الوتر، فقد اختلف الفقهاء في حكمها؛ ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها سنة مؤكدة، بينما ذهب الحنفية إلى أنها واجبة، وهي عندهم مرتبة أدنى من الفرض، ولا يُعاقب تاركها.

الاختلاف في الكيفية وعدد الركعات بين صلاة الوتر وقيام الليل

تُصلى صلاة الليل ركعتين ركعتين، حيث يصلي المصلي ركعتين ثم يسلم، ويكمل بهذه الطريقة. هذا ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لا يوجد عدد محدد لركعات قيام الليل، بل يمكن للمسلم أن يصلي ما شاء، ولكن الاقتداء بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الأفضل. كان الرسول -عليه السلام- يصلي صلاة الليل إما إحدى عشرة ركعة مع الوتر، أو ثلاث عشرة ركعة مع الوتر. ودليل عدم تقييد الصلاة بعدد معين من الركعات هو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

“(صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى).”[4][5]

أما عن أفضل كيفية لصلاة الوتر، فهي الكيفية التي كان يفعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غالب عمله، وهي إحدى عشرة ركعة. وقد وردت عدة صفات لصلاة الوتر في السنة، وهي:

  • ثلاث عشرة ركعة: اثنتين اثنتين، ويختم بركعة وتر واحدة.
  • ثلاث عشرة ركعة: اثنتين اثنتين، ويختم بخمس ركعات وتر متصلات.
  • إحدى عشرة ركعة: اثنتين اثنتين، ويختم بركعة وتر واحدة.
  • إحدى عشرة ركعة: يسلم بعد أول أربع ركعات، ثم الأربع الأخريات، ويختم بثلاث ركعات وتر.
  • تسع ركعات متصلات: وفي الثامنة يجلس فيذكر الله ويدعو، ثم يقوم دون أن يسلم ويكمل التاسعة، ويسلم بعدها.
  • سبع ركعات: يجلس آخرهن ويسلم، وكان أحياناً يجلس في الركعة السادسة يذكر الله ويدعو، ثم يقوم دون أن يسلم ويصلي السابعة، ثم يسلم.
  • خمس ركعات متصلات: يجلس في آخرهن.
  • ثلاث ركعات: يصلي اثنتين ويسلم منهما، ثم يختم بركعة وتر واحدة، وهذا أدنى الكمال في الوتر.
  • ثلاث ركعات متصلات: يجلس في نهايتهن.
  • ركعة واحدة.

تحديد أوقات صلاة الوتر وقيام الليل

يبدأ وقت صلاة الليل بعد صلاة العشاء، ويجوز صلاتها في أول الليل، أو آخره، أو أوسطه، والأفضل صلاتها في الثلث الأخير من الليل؛ لأنه وقت النزول الإلهي.

يمتد وقت صلاة الوتر كذلك من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر، وقد أجمع العلماء على ذلك. أما من ظن أنه لن يستيقظ آخر الليل، فيستحب له أن يصليها أول الليل، فإن ظن أنه سيستيقظ آخر الليل، فالأفضل أن يصلي الوتر آخره.

حكم أداء صلاة الوتر وقيام الليل جماعة

يجوز للمسلمين أن يصلوا النفل جماعة دون أن يصبح ذلك سنة راتبة يعتادون عليها، إلا أن الأفضل وما عليه السنة أن يصلي المسلم قيام الليل منفرداً.

وتشرع الجماعة للوتر أيضاً إذا كانت بعد صلاة التراويح، وإلا فإن صلاتها جماعة غير مشروعة في غير رمضان، لأن صلاة النافلة جماعة لم تكن من سنة الرسول، ولا من هدي أصحابه بعده، وكره العلماء ذلك إلا في رمضان.

أوجه الاتفاق بين صلاة الوتر وقيام الليل

تتفق صلاة الوتر وقيام الليل في العديد من الجوانب، منها الفضل العظيم والأجر الكبير الذي يحصل عليه المسلم من أدائهما، وكذلك في استحباب الإخلاص والخشوع أثناء الصلاة.

مشروعية القضاء في صلاة الوتر وقيام الليل

يستحب لمن فاته حظه من قيام الليل أن يقضيه نهاراً؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-:

“(أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِن وَجَعٍ، أَوْ غيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً)”،[12]

وإن كان معتاداً على الصلاة في الليل وغلبه النوم، أو عرض له شيء منعه، فله أجر نية القيام.

كما يشرع للمسلم أن يقضي صلاة الوتر إن فاتته، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، إلا أنهم اختلفوا في وقت قضائها؛ فذهب الحنفية إلى مشروعية قضائها في أي وقت سوى وقت النهي، أما الشافعية فذهبوا إلى جواز قضائها في أي وقت؛ ليلاً كان، أو نهاراً، أما مالك وأحمد فذهبا إلى أن قضاء الوتر يكون بعد الفجر قبل أن يطلع الصبح.

حكم الجهر والإسرار في صلاة الوتر وقيام الليل

اختلف العلماء في حكم الجهر والإسرار في صلاة القيام والوتر على النحو التالي:

  • الحنفية: ذهبوا إلى وجوب الجهر في صلاة التراويح والوتر للإمام في رمضان، أما غيره فهو مخير بين الجهر والإسرار في الوتر والقيام.
  • المالكية: ذهبوا إلى أن الجهر مندوب في النوافل الليلية جميعها.
  • الشافعية: ذهبوا إلى التوسط في نوافل الليل المطلقة بين الجهر والإسرار؛ فيسر مرة، ويجهر أخرى، أما في صلاة الوتر في رمضان فيسن الجهر.
  • الحنابلة: ذهبوا إلى أن الجهر يسن في صلاة الوتر إن كانت بعد التراويح في رمضان، والإسرار فيما غير ذلك.

أهمية صلاة الوتر وقيام الليل

صلاة الوتر وقيام الليل عبادتان عظيمتان كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليهما؛ فكان لا يترك صلاة الوتر في سفر أو استقرار، وقد حث أصحابه على الاعتناء بها، وعدم تركها، ومن ذلك أنه أوصى أبا هريرة -رضي الله عنه- ألا ينام قبل أن يوتر، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضلها عن الله:

“(إنَّه وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ)”،[16]

أما صلاة قيام الليل فلها أجر عظيم؛ ويظهر ذلك من مدح الله لأهلها، وذلك في قوله -تعالى-:

“(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)،”[17]

وهي أفضل صلاة بعد الفروض الخمسة، ومن حرص على قيامها، واستغلال الليل فيها، فقد يوافق الساعة التي يستجيب فيها الله الدعاء من أمر الدنيا أو الآخرة، كما أن لصلاة الليل فوائد كثيرة على المسلم؛ فهي تنشط النفس، وتطرد الكسل والخمول، وتشرح الصدر، وتحمي المسلم من الشيطان، وهي من مكفرات الذنوب.

Total
0
Shares
المقال السابق

مزايا صلاة الجماعة مقارنة بالصلاة الفردية في الأجر والفضل

المقال التالي

التمييز بين صياغة القرارات واختيار القرار

مقالات مشابهة