مقدمة
يثور في ذهن الكثيرين تساؤل حول الفروقات الجوهرية بين صلاتي التراويح وقيام الليل. والحقيقة أن صلاة التراويح تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المعنى الأوسع والأشمل لقيام الليل، إلا أنها تمتاز بكونها مرتبطة بشهر رمضان الفضيل [1]. بينما يعتبر قيام الليل عبادة مستحبة في جميع أيام السنة. وتُعرف صلاة الليل عموماً باسم “قيام الليل” أو “التهجد” [2]. لتبيان هذا التمايز، سنقوم بتسليط الضوء على التعريف اللغوي والاصطلاحي لكل من المصطلحين.
ماهية صلاة التراويح
تعتبر صلاة التراويح بمثابة صلاة قيام الليل الخاصة بشهر رمضان المبارك. فيما يلي توضيح لتعريفها اللغوي والاصطلاحي، بالإضافة إلى تحديد وقت أدائها:
تعريف صلاة التراويح
التراويح في اللغة هي جمع لكلمة “ترويحة”، والترويحة تعني الاستراحة لمرة واحدة. سميت صلاة التراويح بهذا الاسم لأن المسلمين كانوا يأخذون قسطاً من الراحة بين الركعات عندما بدأوا بالتجمع لأدائها. يمكن القول إن صلاة التراويح هي نفسها صلاة قيام الليل في شهر رمضان. لقد ثبت عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكثر من القيام في رمضان، وذلك لِما ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:
(كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر) [3][4].
توقيت صلاة التراويح
يبدأ وقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء ويمتد حتى طلوع الفجر الثاني في كل ليلة من ليالي شهر رمضان. ويُفضل تأخيرها إلى الثلث الأخير من الليل، لأنه الوقت الذي تتنزل فيه رحمات الله -عز وجل- إلى السماء الدنيا، لتكون صلاة مشهودة، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
(يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له) [5].
وذلك لما في هذا الوقت من خشوع وسكينة، وتدبر في آيات الله -تعالى- [6].
ما هو قيام الليل؟
فيما يلي تعريف لقيام الليل لغة واصطلاحاً [7]:
قيام الليل لغة
ينقسم تعريف قيام الليل في اللغة إلى قسمين: القيام يعني عكس الجلوس، والليل هو الفترة الزمنية الممتدة من غروب الشمس حتى طلوع الفجر الصادق.
قيام الليل اصطلاحاً
يعرّف الفقهاء قيام الليل بأنه: قضاء جزء من الليل، ولو ساعة واحدة، في الصلاة أو غيرها من العبادات. ولا يشترط أن يستغرق معظم الليل. وقد ذهب ابن عباس -رضي الله عنه- إلى أن قيام الليل يمكن أن يتحقق بأداء صلاة العشاء جماعة، والعزم على أداء صلاة الفجر جماعة، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) [8].
وقيل إن قيام الليل هو الانشغال بمعظم الليل، وقيل إنه الانشغال بساعة منه في الطاعة، مثل قراءة القرآن الكريم، أو الاستماع إلى الحديث النبوي الشريف، أو الصلاة على النبي، أو التسبيح.
التهجد
من المصطلحات المرادفة لقيام الليل التهجد، ويعرف لغة بأنه: النوم والسهر، فيقال: هجد بمعنى نام، وبمعنى صلى بالليل؛ فهو من الألفاظ المتضادة. وقال الأزهري -رحمه الله-: “المعروف في كلام العرب أن الهاجد هو النائم، هجد، هجوداً؛ إذا نام، وأما المتهجد فهو القائم إلى الصلاة من النوم، وكأنه قيل له: متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه”. أما التهجد في الاصطلاح الشرعي، فيقصد به إحياء الليل بالعبادة بعد النوم، وقيل إنه الصلاة التي تؤدى ليلاً مطلقاً.
الأصل الشرعي لصلاة التراويح وقيام الليل
أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التراويح، واستدلوا بالحديث المتفق عليه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:
(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ ذاتَ لَيْلَةٍ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجالٌ بصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فاجْتَمع أكْثَرُ منهمْ، فَصَلَّوْا معهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّوْا بصَلاتِهِ، فَلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عن أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّه لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُم، فَتَعْجِزُوا عَنْها) [9][10].
من الجدير بالذكر أن الله -تعالى- شرع قيام الليل لعباده ليتقربوا منه ويناجوه؛ فصلاة القيام من العبادات التي تدل على حب العبد لربه -عز وجل-، وتلذذه بمناجاته، وخير دليل على ذلك محافظة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أدائها على الرغم من مغفرة الله -تعالى- لما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد ثبت في البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:
(أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ) [11].
ولذلك فقيام الليل سنة مؤكدة [12]. وتجدر الإشارة إلى أن الله -تعالى- من على عباده بأزمنة مباركة، ومنها: شهر رمضان؛ إذ شرع لهم فيه الصيام والقيام؛ كي تنشط الروح، ويعمر القلب للعبادة، وبأداء صلاة التراويح تنال النفس مبتغاها بالقرب من الله -تعالى-، وزيادة الإيمان بسماع آيات القرآن الكريم [13].
خلاصة
باختصار، صلاة التراويح هي جزء من قيام الليل، ولكنها خاصة بشهر رمضان، بينما قيام الليل هو أعم وأشمل ويمكن القيام به في أي وقت من السنة. وكلاهما من العبادات المستحبة التي تقرب العبد إلى ربه.
المراجع
- عطية بن محمد سالم،التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي، صفحة 59. بتصرّف.
- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز،مجموع فتاوى العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله، صفحة 317-318، جزء 11. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1174، صحيح.
- أبو عبدالله محمد بن عبدالباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (1417هـ-1996م)،شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية(الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 566-567، جزء 10. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، صحيح.
- محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري (1430 هـ – 2009 م)،موسوعة الفقه الإسلامي(الطبعة الطبعة)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 647،648، جزء 2. بتصرّف.
- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 117-118، جزء 34. بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 656، صحيح.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 924 ، صحيح.
- عَلوي بن عبدالقادر السقاف ،الموسوعة الفقهية، صفحة 468، جزء 1. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837، صحيح.
- “موسوعة الفقه الإسلامي”،www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2020. بتصرّف.
- محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري،موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 646، جزء 2. بتصرّف.