مقدمة
تعتبر ظاهرة التقلص والتوسع من الظواهر الفيزيائية المتعارضة، حيث تؤثر كل منهما بشكل مختلف على المواد. هذا المقال يوضح الفروق الأساسية بينهما من حيث التعريف، وكيفية حدوثهما، مع تقديم أمثلة عملية لتوضيح الفهم.
فروقات في المفاهيم
التوسع الحراري: هو الزيادة في حجم المادة نتيجة لارتفاع درجة حرارتها. هذا الارتفاع يؤدي إلى استطالة أو تغيير في حجم المادة. يعبر عن مقدار هذا التغير بالنسبة للتغير في درجة الحرارة لكل وحدة زيادة .
التقلص الحراري: هو النقصان في حجم المادة نتيجة لانخفاض درجة حرارتها. هذا الانخفاض يؤدي إلى انكماش في حجم أو طول المادة، ويعبر عن هذا التغير بالنسبة للتغير في درجة الحرارة لكل وحدة نقصان .
آلية الحدوث
في المواد الصلبة والسائلة، توجد علاقة ديناميكية بين الجزيئات تعكس قوة الترابط والتجاذب بينها وبين درجة الحرارة. انخفاض درجة الحرارة يقلل المسافة بين الجزيئات ويقلل من طاقتها الحركية، مما يقلل من تصادماتها وبالتالي يؤدي إلى نقصان في حجم المادة، وهو ما يفسر التقلص الحراري.
على النقيض من ذلك، في حالة التوسع الحراري، تؤدي زيادة درجة الحرارة إلى زيادة المسافة بين الذرات والجزيئات وزيادة عدد التصادمات بسبب زيادة الطاقة الحركية للجزيئات، مما يؤدي إلى ظهور التوسع الحجمي أو الطولي للمادة.
تختلف قوة ترابط الجزيئات باختلاف نوع المادة وحالتها الفيزيائية (سائلة، صلبة، غازية)، مما يؤدي إلى اختلاف في مقدار التغير في حجم أو طول المادة بالنسبة لتغير درجة الحرارة. هذا الاختلاف يعرف بـ “معامل التمدد الحراري”، وهو خاصية مميزة لكل مادة. التوسع الحراري للمواد الصلبة يختلف عن التوسع الحراري للسوائل، حيث أن المواد الصلبة عادة ما يكون لها معامل تمدد خطي أو سطحي (تغير في الطول أو المساحة)، بينما السوائل يكون لها معامل تمدد حجمي (تغير في الحجم).
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: 81]. هذه الآية الكريمة تبين كيف أن الله سبحانه وتعالى جعل في المواد خصائص لحمايتنا من الحر والبرد، ومنها ظاهرة التمدد والتقلص.
نماذج على التقلص الحراري
هناك العديد من الأمثلة على التقلص الحراري في حياتنا اليومية، والتي قد لا ندرك أهميتها إلا عند فهم هذه الظاهرة:
- تجعد الملابس القطنية في الشتاء نتيجة للتقلص.
- معالجة وتصنيع الزجاج، حيث يتم تبريده بعد تشكيله بالحرارة ليتقلص ويصل إلى الأبعاد المطلوبة.
- تركيب بلاط السيراميك مع وضع مادة مرنة بين البلاطات لمنع ظهور الفراغات عند حدوث التقلص.
- استخدام الزئبق في موازين الحرارة، حيث يساعد التقلص في إثبات التغيرات الحرارية.
نماذج على التوسع الحراري
أمثلة التوسع الحراري شائعة أيضًا في حياتنا اليومية:
- انفجار إطارات السيارات في الصيف بسبب تمدد الغاز داخل الإطارات نتيجة لارتفاع درجة الحرارة.
- تدلي أسلاك الكهرباء في الصيف بسبب زيادة طولها نتيجة للتوسع الحراري.
- وضع فواصل في قضبان السكك الحديدية للسماح بالتمدد.
- ظهور التشققات في الطرق نتيجة للتوسع.
- استخدام فواصل مطاطية في النوافذ المعدنية.
- زيادة طول الأشرطة المعدنية عند تسخينها.
ملخص واستنتاج
التقلص والتوسع الحراري هما ظاهرتان طبيعيتان مرتبطتان بتغير درجة حرارة المادة. يعتمد عمل مقياس الحرارة على تمدد وتقلص المادة، وذلك باستخدام معيار محدد بناءً على طبيعة المادة وحالتها الفيزيائية، وهو معامل التمدد الحراري.
العلاقة بين الحرارة والتغير في حجم أو طول المادة هي علاقة طردية، حيث تزيد الأبعاد مع زيادة درجة الحرارة والعكس صحيح. ومع ذلك، هناك بعض الحالات الشاذة مثل الماء، حيث ينخفض معامل التمدد الحراري مع انخفاض درجة الحرارة. فالماء من المواد ذات معامل التمدد المنخفض في درجات الحرارة القريبة من التجميد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”. [رواه البخاري] هذه الحديث يؤكد على أن الحق سيظل ظاهرًا، وأن فهمنا للكون من خلال العلم هو جزء من هذا الحق الذي يجب أن نسعى إليه.