التعويض عن الأضرار في القانون المدني

مقدمة

يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على مفهوم التعويض عن الأضرار في إطار المسؤولية المدنية. قبل الخوض في تفاصيل هذا المفهوم القانوني، من الضروري توضيح معناه وتحديد المقابل له في الفقه الإسلامي، وذلك لتمكين القارئ من فهم أبعاد التعويض في القانون المدني.

مفهوم الضرر في القانون المدني

بإيجاز شديد، يمكن تعريف المسؤولية المدنية بأنها: تحمل تبعات الأفعال الضارة الناتجة عن فعل شخصي أو فعل الغير. تنقسم المسؤولية إلى قسمين رئيسيين: المسؤولية الأدبية والمسؤولية القانونية. تشمل المسؤولية القانونية بدورها المسؤولية الإدارية والدستورية، وكذلك المسؤولية الجنائية والمدنية. المسؤولية المدنية تنقسم بدورها إلى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية. ما يهمنا في هذا المقام هو المسؤولية التقصيرية.

يُقابل هذا المفهوم القانوني الحديث في الفقه الإسلامي مصطلح “الضمان” أو “الكفالة”. يعرف الفقهاء الضمان بأنه: الالتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف في المال، أو ضياع في المنافع، أو الضرر الجزئي أو الكلي بالنفس الإنسانية.

شروط استحقاق التعويض عن الضرر

الضرر هو الأذى أو الفساد الذي يلحق بالشخص في ماله أو جسده أو مشاعره، سواء كان ذلك نتيجة إخلال بشروط العقد أو بسبب فعل ضار.

يستحق المتضرر التعويض في الحالات التالية:

• الاعتداء أو التعدي: وهو تجاوز الحدود المباحة أو المصرح بها شرعاً، والذي يؤدي إلى وقوع الضرر، سواء كان ذلك من خلال العمل المباشر أو بالتسبب، وسواء كان الفعل الضار مقصوداً أو عن طريق الخطأ. تختلف طبيعة الضمان في هذه الحالة بحسب ما إذا كان الضرر متعلقاً بالأموال أو الأنفس.
• وقوع الضرر الفعلي: لا يكفي الاحتمال بوقوع الضرر، بل يجب أن يقع الأذى أو الفساد فعلياً بالشخص المتضرر، مع وجود الأدلة والبراهين التي تثبت ذلك. مجرد الادعاء بالضرر أو افتراض احتمالية حدوثه لا يكفي للإلزام بالتعويض.

الفرق بين الضرر الواقع مباشرة وغير المباشر

يكمن الفرق بين الضرر المباشر وغير المباشر في تعريف كل منهما مع إيراد أمثلة توضيحية:

• الضرر المباشر: هو الضرر الذي ينتج مباشرة عن فعل الإنسان، ويحدث منه الأذى أو الفساد بصورة مباشرة؛ مثل إشعال النار في متجر أو هدم منزل.
• الضرر غير المباشر: هو الضرر السببي، والذي ينتج عن أثر فعل الإنسان على شخص آخر، مما يسبب له الأذى أو الفساد. على سبيل المثال، حفر شخص لبئر ثم سقطت فيه بهيمة. الضرر هنا ليس ناتجاً عن مجرد حفر البئر، وإنما عن السقوط فيه.

التمييز بين الضرر المالي والمعنوي

فيما يلي توضيح للفرق بين الضرر المادي والمعنوي:

• الضرر المادي: هو الأذى الذي يلحق بالذمة المالية لشخص ما، ويؤدي إلى تلف أو فساد في أمواله؛ مثل هدم عقار أو حادث سيارة.
• الضرر المعنوي: هو الأذى الذي يصيب الإنسان في غير ماله، وإنما يصيب سمعته وشرفه أو مشاعره وأحاسيسه. يمكن تقسيم الضرر المعنوي إلى قسمين:
  • الضرر المعنوي المتصل بالضرر المادي: مثل تضرر سمعة شخص ما مما يؤثر على تجارته بسبب إعراض الناس عنه.
  • الضرر المعنوي غير المتصل بالضرر المادي: مثل الآلام العاطفية التي تصيب الإنسان في حالة فقدانه لشخص عزيز عليه.

وقد جاء في الشريعة الاسلامية ما يؤكد هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَرُوعَ مُسْلِمًا” (رواه أبو داود)، وهو دليل على حرمة إيذاء مشاعر الآخرين.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (الأحزاب: 58).

المراجع

• أسلايم، المسؤولية المدنية، صفحة 5.
• وهبة الزحيلي، نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه، صفحة 22.
• عصام العقرباوي، ضمان الضرر، صفحة 1-3.
• وهبة الزحيلي، نظرية الضمان أو المسؤولية المدنية، صفحة 24-25.
• وهبة الزحيلي، نظرية الضمان أو المسؤولية المدنية، صفحة 29.
• وهبة الزحيلي، نظرية الضمان أو المسؤولية المدنية، صفحة 31.
• عصام العقرباوي، ضمان الضرر، صفحة 10.
• عصام العقرباوي، ضمان الضرر، صفحة 11.