ماهية التسامح في الإسلام
يمثل التسامح في الإسلام قيمة عظيمة تعزز روابط المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع. إنه انعكاس للإيمان العميق، وعندما يسود التسامح، يصبح المجتمع قويًا ومتماسكًا، ويحل الوئام محل الخلاف، فكم من خصوم تحولوا إلى أصدقاء بفضل التسامح والعفو.
التسامح في اللغة: يعني الصفح عن المخطئ وترك معاقبة المستحق للعقاب. يقال: عفا عنه ذنبه، أي تركه ولم يعاقبه عليه.
وفي الاصطلاح: يعني ترك ما يستحقه المذنب من العقوبة، ويشمل محو الذنب والإعراض عن المؤاخذة به وإسقاط العقاب.
التسامح في الذكر الحكيم
حث القرآن الكريم في آياته الكريمة على التسامح والصفح والعفو، ومن هذه الآيات:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].
تشير هذه الآية إلى أن التسامح قيمة أخلاقية عالية، بغض النظر عن ديانة الشخص الذي عفوت عنه، وهذا ما توضحه كلمة “الناس”.
﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النور: 22].
تبين هذه الآية أن التسامح سبب لمغفرة الله تعالى ورحمته. فإذا أردت أن ينالك عفو الله، فاعف عن عباده وتخلق بهذا الخلق الرفيع.
التسامح في السنة المطهرة
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على التسامح لأنه من مكارم الأخلاق، وسبب لنيل رحمة الله ومغفرته، ويكرم الله أهل التسامح بالعز والرفعة في الدنيا والآخرة. ومن الأحاديث التي تحث على التسامح:
(ارْحَموا تُرحَموا، واغْفِروا يَغْفِرِ اللهُ لكم).
(كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه).
(ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
اسم الله العفو
من أسماء الله الحسنى “العفو”، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم خمس مرات، منها قوله تعالى:
﴿إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً﴾ [النساء: 149].
العباد يخطئون ويذنبون، ثم يندمون ويستغفرون، فيعفو الله عنهم ويسامحهم. وإذا تابوا توبة نصوحًا وعملوا الصالحات، بدل الله سيئاتهم حسنات. هذا من عظمة عفو الله تعالى وغفرانه. وينبغي للمسلم أن يتخلق بهذا الخلق العظيم، فيعفو عمن أساء إليه، ويصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه.
نماذج من التسامح النبوي
تتجلى في السيرة النبوية نماذج رائعة للتسامح، والرسول -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة الحسنة في كل خلق كريم، لنتأسى به ونسير على خطاه، ومن ذلك التسامح والعفو.
- أمسك الصحابة ثمامة بن أثال، وكان يكيد للإسلام وأهله، فعفا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فأسلم ثم قال: والله ما كان على وجه الأرض أبغض إلي من وجهك، ولا من دينك، ولا من بلدك، فأصبح وجهك ودينك وبلدك أحب إلي من كل شيء.
- عندما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، ووقف أمامه أهل مكة الذين كذبوه وحاربوه، قال لهم:(يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، قال:(اذهبوا فأنتم الطلقاء).
- كم رأينا من الصحابة قبل إسلامهم قد جاءوا ليقتلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ليسيئوا إليه، فتعامل معهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعفو والصفح، وعفا عنهم رغم قدرته على معاقبتهم، فانقلب العدو صديقًا، وغدا المعتدي رفيقًا. هذا درس مهم للأمة بأنك تستطيع أن تمتلك قلب عدوك بالأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة.
فوائد التسامح
عندما تسود ثقافة التسامح، يصبح المجتمع مثاليًا، تنتشر فيه المودة والمحبة، فكم من عدو أصبح بالتسامح حبيبًا، وكم من حاسد غدا بعد التسامح قريبًا. للتسامح فوائد عديدة منها:
- التسامح سبب لنيل مغفرة الله تعالى وعفوه.
- التسامح يؤدي إلى تخفيف العداوة بين أفراد المجتمع.
- التسامح سبب للرفعة والعزة التي يكرم الله بها أهل التسامح في الدنيا والآخرة.
- التسامح يؤدي إلى كسب الكثير من الأصدقاء والأحبة.
- التسامح دليل على رسوخ الإيمان في القلب.
المصادر
- مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس.
- أبو البقاء الكفوي (1998)، الكليات، بيروت: مؤسسة الرسالة.
- موقع إسلام ويب